بشرى معجلة في هذه الدار فأدخل الحق نفسه في الدعوى ليمشي حكمها في الخلق ثم طلب بالابتلاء صدق الدعوى ليبين للعباد صدق دعواه فإذا ادعيت فليكن دعواك بحق وانتظر البلاء وإن لم تدع فهو أولى بك ولكن كن محلا لجريان الأقدار عليك وكن على علم أنه لا يجري عليك إلا ما كنت عليه حتى تعلم أن الحجة البالغة لله فإنه يقول كذا علمتك وما علمتك إلا منك ولو كان كما يتخيله بعض الناس ومن لا علم له بسر القدر يقول لو مكنني الله من الاحتجاج لقلت أنت فعلت كما قال أبو يزيد ولكن قال لا يسأل عما يفعل وهم يسألون فسد الباب هذا القول ما يقع إلا من جاهل بالأمر بل لله الحجة البالغة في قوله لا يسأل عما يفعل فإنه ما فعل من نفسه ابتداء وإنما فعل بك في وجودك ما كنت عليه في ثبوتك ولهذا قال وهم يسألون وقد أطلعهم الله عند ذلك على ما كانوا عليه وإن علمه ما تعلق بهم إلا بحسب ما هم عليه فيعرفون إذا سألوا أنه تعالى ما حكم فيهم إلا بما كانوا عليه وإذا سألوا وهم يشهدون اعترفوا فيصدق قوله فلله الحجة البالغة ولكن أكثر الناس لا يعلمون فيأخذها الناس إيمانا ونحن وأمثالنا نأخذها عيانا فنعلم موقعها ومن أين جاء بها الحق لا إله إلا هو اللطيف الخبير والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (حضرة الحلم) ليس الحليم الذي تجني فيهملكم * إن الحليم الذي تجني فيمهلكم فضلا عليكم وإحسانا لعلكم * في شأن حال يرى منكم تململكم فإن رآه على قول فإن له * شكرا على حال أعطاه تفضلكم عليكم لا عليه حين يشكركم * لديه في حقه منكم يبدلكم يدعى صاحبها عبد الحليم وهي حضرة الإمهال من القادر على الأخذ فيؤخر الأمر ويمهل العبد ولا يهمله وإنما يؤخره لأجل معدود ولا يمحوه لأنه يبدله بالحسنى فيكسوه حلة الحسن وهو هو بعينه ليظهر فضل الله وكرمه على عبيده ولهذا وصف الذنوب بالمغفرة وهي الستر وما وصفها بذهاب العين وإنما يسترها بثوب الحسن الذي يكسوها به لأنه تعالى لا يرد ما أوجده إلى عدم بل هو يوجد على الدوام ولا يعدم فالقدرة فعالة دائما ولهذا يكسو الأعراض التي لا تقوم بنفسها صور القائمين بأنفسهم ويجعل ذلك خلعا عليها وقد جاء وزن الأعمال وشبهها بمثاقيل الذر ويؤتى بالموت وهو نسبة والنسب أخفى من الأعراض في صورة كبش أملح فقد خلع على هذه النسبة صورة كبش أبيض فما أعدم النسبة بعد تحققها بنعت من نعوت الوجود بما لها من الحكم في الموجودات فلم يردها إلى حكم العدم فأحرى ما هو موصوف بالوجود العيني فلهذا وصف نفسه بالغفار والحليم وهو الإمهال فما أهمل حين أمهل ولا أعدم حين حكم فإنه ما شأنه إلا الإيجاد ولهذا قال إن يشأ يذهبكم والذهاب انتقالكم من الحال التي أنتم فيها إلى حال تكونون فيها ويكسو الخلق الجديد عين هذه الأحوال التي كانت لكم لو شاء لكنه ما شاء فليس الأمر إلا كما هو فإنه لا يشاء إلا ما هي الأمور عليه لأن الإرادة لا تخالف العلم والعلم لا يخالف المعلوم والمعلوم ما ظهر ووقع فلا تبديل لكلمات الله فإنها على ما هو عليه ومن شأن هذه الحضرة إثبات الاقتدار فإن صاحب العجز عن إنفاذ اقتداره لا يكون حليما ولا يكون ذلك حلما فلا حليم إلا أن يكون ذا اقتدار ولما كانت المخالفة تقتضي المؤاخذة فأفسد الحلم حكمها في بعض المذاهب ولذلك يقال حلم الأديم إذا فسد وتشقق وكذلك حلم النوم أفسد المعنى عن صورته لأنه ألحقه بالحس وليس بمحسوس حتى يراه من لا علم له بأصله فيحكم عليه بما رآه من الصورة التي رآه عليها ويجئ العارف بذلك فيعبر تلك الصورة إلى المعنى الذي جاءت له وظهر بها فيردها إلى أصلها كما أفسد الحلم العلم فأظهره في صورة اللبن وليس بلبن فرده رسول الله ص بتأويل رؤياه إلى أصله وهو العلم فجرد عنه تلك الصورة وفي تلك الصورة يكون حكم الحلم فلذلك نقول إنه أفسد صورة العلم فرده رسول الله ص والعابر المصيب كان من كان إلى أصله وأزال عنه ما أفسده الحلم ومن هنا تعرف ما للحق من رتبة الأحلام جاء رجل إلى ابن سيرين وكان إماما في التعبير للرؤيا فقال له إني رأيت أرد الزيت في الزيتون فقال أمك تحتك فبحث الرجل عن ذلك فإذا به قد تزوج أمه وما عنده ولا عندها خبر بذلك وأين صورة نكاح الرجل أمه
(٢٤٠)