الموت إذا كان عبارة عن الانتقال والعزل يستند إلى حقيقة إلهية وليس إلا فراع الحق من شئ إلى شئ آخر فما له فيما فرع منه من حكم في ذلك الوجه المفروغ منه وليس إلا إيجاد عينه خاصة وما بقي الشغل وعدم الفراغ إلا في إيجاد ما به بقاؤه في الوجود فإلى هذه الحقيقة الإلهية مستند الموت في العالم إلا ترى إلى الميت يسأل ويجيب إيمانا وكشفا وأنت يا محجوب تحكم عليه في هذه الحال عينا إنه ميت وكذا جاء إن الميت يسأل في قبره وما أزال عنه اسم الموت السؤال فإن الانتقال موجود فلولا أنه حي في حال موته ما سئل فليس الموت بضد للحياة إن عقلت (الميت حضرة الموت) يميت بالجهل أقواما وإنهم * بالمال والجاه عند الخلق أحياء أصبحت ذا علة كبرى أموت بها * كيف الشفاء وقد استحكم الداء لو كان لي غرض في غير سيدنا * ما كان لي مرض تبغيه أدواء الله ربي لا أبغي به بدلا * ولا ينهنهني جود وإلقاء يدعى صاحبها عبد المميت قال تعالى حتى إذا حضر أحدهم الموت وقال تعالى ثم يميتكم وقال وأنه هو أمات وأحيى وقال قل يتوفاكم ملك الموت وقال ص في الطائفة التي تدخل النار من أمته فيميتهم الله فيها إماتة والموت عبارة عن الانتقال من منزل الدنيا إلى منزل الآخرة ما هو عبارة عن إزالة الحياة منه في نفس الأمر وإنما الله أخذ بأبصارنا فلا ندرك حياته وقد ورد النص في الشهداء في سبيل الله أنهم أحياء يرزقون ونهينا أن نقول فيهم أموات فالميت عندنا ينتقل وحياته باقية عليه لا تزول وإنما يزول الوالي وهو الروح عن هذا الملك الذي وكله الله بتدبيره أيام ولايته عليه والميت عندنا يعلم من نفسه أنه حي وإنما تحكم عليه بأنه ليس بحي جهلا منك ووقوفك مع بصرك ومع حكمك في حاله قبل اتصافه بالموت من حركة ونطق وتصرف وقد أصبح متصرفا فيه لا متصرفا وهو تنبيه من الله لنا أن الأمر كذا هو التصرف فيه للحق لا لك في حال دعواك التصرف ثم إنه على الحقيقة متصرف هذا الميت بالحال لا بالقول فلولا تصرفه فيك ما غسلته ولا كفنته وإن كان الشارع هو الذي أمرك وشرع لك فهذا أعظم من تصرفه فيك وهو تصرفه فيمن شرع لك هذا فهذا قد تصرف في الأحياء وهم لا يشعرون وتصرف فيك وأنت لا تشعر وتخيلت أنه ما بقي له فيك حكم وحكمه بموته أعظم من حكمه فيك بحياته أعني بعدم موته فالموت انتقال خاص على وجه مخصوص فمن كونه انتقالا يستند إلى حقيقة إلهية خاصة ولا تشك أن له حكما في الآخرة في جهنم فإن الله تعالى يميت قوما في جهنم أصابتهم النار بذنوبهم إماتة ثم يحييهم الله وهذا قبل ذبح الموت فإن الموت لا بد أن يؤتى به إذا بقي أهل النار في النار الذين هم أهلها وأهل الجنة في الجنة وتغلق الأبواب يؤتى بالموت في صورة كبش أملح وهذا مما يقوي الدلالة على إن المال إلى الرحمة في العباد وذلك الوقت هو انتهاء مدة الآلام فيضجع بين الجنة والنار ويراه أهل الجنة وأهل النار فيعرفونه أما أهل الجنة فينعمون برؤيته حيث كان السبب في بقاء سعادتهم التي لا زوال لها عنهم وأما أهل النار فينعمون برؤيته رجاء تخليصهم بوجوده مما هم فيه ويخرجهم كما أخرجهم من الدنيا ولا علم بأن مدة الشقاء قد قرب انقضاؤها ثم يأتي يحيى ع وبيده الشفرة فيذبحه بمرأى من الفريقين فأهل الجنات يحيون وأهل النار لا يموتون فيها ولا يحيون كما يقال في النائم ما هو بميت ولا حي فنعيمهم نعيم النائم في النار والله قد جعل النوم سباتا والراحة من الرحمة ما هي من الغضب فهو أشقى ما دام يصلي النار الكبرى ثم لا يموت فيها ولا يحيى فجاء بثم بعد حكم كونه يصلي النار كالشاة المصلية فبين كونه يصلي وبين كونه لا يموت ولا يحيى قدر ما نعطيه حقيقة ثم في اللسان التي للعطف فينتقل الحكم عليه بذبح الموت فراحته راحة النائم فلا يموت ولا يحيى أي لا تزول هذه الراحة له مستصحبة فاعلم ذلك فالموت في الدنيا تحفة المؤمن وحسرة الكافر وذبحه في الآخرة تحفة الفريقين يقول بعض الأعراب من بنى ضبة نحن بنى ضبة إذ جد الوهل * الموت أحلى عندنا من العسل نحن بنو الموت إذ الموت نزل * لا عار بالموت إذا حم الأجل
(٢٩٠)