الحق وهو يهدي السبيل (البديع حضرة الإبداع) حضرة الإبداع لا مثل لها * فتعالت حيث عزت إن تنال كلما قلت لها هادي مني * فاحذر الرمي بها قبل الزوال فأجابتني جوابا شافيا * ليس هذا من مقالات الرجال إنما الله إله واحد * ذو كمال لجمال وجلال كلما نطقني الذكر به * قلت ماذا قال لي السحر الحلال يدعى صاحبها عبد البديع قال تعالى بديع السماوات والأرض وهو ما علا وما سفل وأنت المميز للعالي والسافل لأنك صاحب الجهات فهو بديع كل شئ وليس الإبداع سوى الوجه الخاص الذي له في كل شئ وبه يمتاز عن سائر الأشياء فهو على غير مثال وجودي إلا أنه على مثال نفسه وعينه من حيث إنه ما ظهر عينه في الوجود إلا بحكم عينه في الثبوت من غير زيادة ولا نقصان فمن جعل العلم تصور المعلوم فلا بد للمعلوم من صورة في نفس العالم وأما نحن فلا نقول إن العلم تصور المعلوم على ما قاله صاحب هذا النظر وإنما العلم درك ذات المطلوب على ما هي عليه في نفسه وجودا كان أو عدما ونفيا أو إثباتا وإحالة أو جواز أو وجوبا ليس غير ذلك وإنما يتصور العالم المعلوم إذا كان العالم ممن له خيال وتخيل وما كل عالم يتصور ولا كل معلوم يتصور إلا إن الخيال له قوة وسلطان فيعم جميع المعلومات وبحكم عليها ويجسدها كلها وهو من الضعف بحيث لا يستطيع أن ينقل المحسوس إلى المعنى كما ينقل المعنى إلى الصورة الحسية ومن ضعفه أنه لا يستقل بنفسه فلا بد أن يكون حكمه بين اثنين بين متخيل اسم مفعول ومتخيل اسم فاعل معا فالابتداع على الحقيقة إنشاء ما لا مثل له بالمجموع وبهذا قال الله تعالى ورهبانية ابتدعوها فمجموع ما ابتدعوه من العبادة ما كان الحق شرع ذلك لهم فلا بديع من المخلوقات إلا من له تخيل وقد يبتدع المعاني ولا بد أن تنزل في صورة مادية وهي الألفاظ التي بها يعبر عنها فيقال قد اخترع فلان معنى لم يسبق إليه وكذلك أرباب الهندسة لهم في الإبداع اليد الطولي ولا يشترط في المبتدع أنه لا مثل له على الإطلاق إنما يشترط فيه أنه لا مثل له عند من ابتدعه ولو جاء بمثله خلق كثير كل واحد منهم قد اخترع ذلك الأمر في نفسه ثم أظهره فهو مبتدع بلا شك وإن كان له مثل ولكن عند هذا الذي ابتدعه لا سبيل إلا ابتداع الحق تعالى فإنه قال عن نفسه إنه بديع أي خلق ما لا مثل له في مرتبة من مراتب الوجود لأنه عالم بطريق الإحاطة بكل ما دخل في كل مرتبة من مراتب الوجود ولذلك قال في خلقة الإنسان لم يكن شيئا مذكورا لأن الذكر له تعالى وهو للمذكور منا مرتبة من مراتب الوجود بخلاف المعلوم ومراتب الوجود أربعة عيني وذهني ورقمي ولفظي فالعيني معلوم واللفظي راجع إلى قول القائل في ذكره ما ذكره فللشئ وجود في ذكر من ذكره فلم يكن الإنسان شيئا مذكورا فحدث الإنسان لما حدث ذكره مثل قوله ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث فوصف الذكر بالحدوث وإن كان كلامه قديما ولكن الذكر هنا هو التكلم به لا عين الكلام فالكلام موصوف بالقدم لأنه راجع إلى ذات المتكلم إذا أردت كلام الله والمتكلم به ما هو عين الكلام وقد يكون المتكلم به معنى وقد يكون غير معنى ثم إنه ذلك المعنى قد يكون قديما وقد يكون حادثا فالمتكلم به أيضا لا يلزم قدمه ولا حدوثه إلا من حيث إسماع المخاطب فإنه سمع أمرا لم يكن سمعه قبل ذلك فقد حدث عنده كما حدث الضيف عند صاحب المنزل وإن كان موجودا قبل ذلك ولكن في مثل هذا تجوز وهو قولك حدث عندنا اليوم ضيف وأنت تريد عين الشخص وما حدث الشخص وإنما حدث كونه ضيفا عندك وضيفيته عندك لا شك أنها حدثت لأنها لم تكن قبل قدومه عليك فعلى الحقيقة إتيان الذكر على من أتى عليه هو حادث بلا شك لأن ذلك الإتيان الخاص لم يكن موصوفا بالوجود وإن كان الآتي أقدم من إتيانه لا من حيث إتيانه بل من حيث عينه فأصل كل ما سوى الله مبتدع والله هو الذي ابتدعه ولكن من الأشياء ما لها أمثال ومنها ما ليس لها أمثال أعني وجودية هكذا بحكم العين لا الوجود في نفسه فما في الوجود إلا مبتدع وفي الشهود أمثال والعلم يقتضي الوجه الخاص في كل موجود ومعلوم حتى يتميز به عن غيره فكله مبتدع وإن
(٣١٥)