الخليل ع في وسط النار يتنعم ويلتذ ولو لم يكن ع إلا في حمايتها إياه من الوصول إليه فالأعداء يرونها في أعينهم نارا تأجج وهو يجدها بأمر الله إياها بردا وسلاما عليه فأعداؤه ينظرون إليه ولا يقدرون على الهجوم عليه انظر إلى الجنة محفوفة بالمكاره وهل جعل الله ذلك إلا ليتضاعف النعيم على أهلها فإن نعيم النجاة والفوز من أعظم النعم فما خلق الإنسان إلا لينعما * وما أشهد الإنسان إلا ليعلما بأن وجود الحق في الخلق مودع * وهل كان هذا الوجود إلا تكرما فينعم بالتعذيب فيها جماعة * ولولا شهود الضد ما كان مسلما والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الغني حضرة الغني والإغناء) ألا إنما المغني الغني لذاته * وما كان فيه من جميل صفاته فلو إن عين العبد كان بكونه * لجلت معاليه لكثر هباته ولكن عين الحق أفنت وجودها * فلله ما يبديه من كلماته أقول وقولي صادق غير كاذب * لقد رمت أن أحظى بسر مناته فيعبدني من كان بالحق عارفا * فأجزيه بالإحسان قبل وفاته يدعى صاحبها عبد الغني وعبد المغني قال الله عز وجل والله غني عن العالمين وقال تعالى وإنه هو أغنى وأقنى وقال رسول الله ص من هذه الحضرة ليس الغني عن كثرة العرض لكن الغني غنى النفس ترى التاجر عنده من المال ما يفي بعمرة وعمر ألزامه لو عاش إلى انقضاء الدنيا وما عنده في نفسه من الغني شئ بل هو من الفقر إلى غاية الحاجة بحيث أن يرد بما له موارد الهلاك في طلب سد الخلقة التي في نفسه عسى يستغني فما يستغني بل لا يزال في طلب الغني الذي هو غنى النفس ولا يشعر فاعلم إن أول درجة الغني القناعة والاكتفاء بالموجود فلا غنى إلا غنى النفس ولا غنى إلا من أعطاه الله غنى النفس فليس الغني ما تراه من كثرة المال مع وجود طلب الزيادة من رب المال فالفقر حاكم عليه فالإنسان فقير بالذات لأنه ممكن وهو غني بالعرض لأنه غني بالصورة وذلك أمر عرض له بالنسبة إليه وإن كان مقصودا للحق فللانسان وجهان إذا كان كاملا وجه افتقار إلى الله ووجه غنى إلى العالم فيستقبل العالم بالغنى عنه ويستقبل ربه بالافتقار إليه ولهذين الوجهين قيل إنه لا يكون عند الله وجيها لأنه لا يكون عند الله أبدا إلا فقيرا ذليلا ويكون عند العالم وجيها أي غنيا عزيزا وأما الإنسان الحيوان الذي لا معرفة له بربه فهو فقير إلى العالم أبدا وإن كانت الغيرة الإلهية قد أزالت الافتقار إلى العالم من العالم بقولها يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد فمن ذاق طعم الغني عن العالم وهو يراه عالما لا بد من هذا الشرط فقد حصل على نصيب وافر من الغني الإلهي إلا أنه محجوب عن المقام الأرفع في حقه لأن العالم مشهود له ولهذا اتصف بالغنى عنه فلو كان الحق مشهوده وهو ناظر إلى العالم لاتصف بالفقر إلى الله وحاز المقام الأعلى في حقه وهو ملازمة الفقر إلى الله لأن في ذلك ملازمة ربه عز وجل وأما الاستغناء فإنه يؤذن بالقرب المفرط وهو حجاب كالبعد المفرط ومن وقف على سر وجود العالم من حيث إيجاد الله إياه عرف ما أشرنا إليه فإذا كان العارف على قدر معلوم بين القرب والبعد حصل المطلوب وكان في ذلك الشرف التام للإنسان إذ كان الشرف لا يحصل إلا لأهل البرازخ الجامعين الطرفين قد علمنا إيمانا أن الله أقرب إلينا من حبل الوريد ولكن لا نبصره لهذا القرب المفرط وقد علمنا إيمانا أنه على العرش استوى فلا نبصره لهذا البعد المفرط عادة أيضا فمن شاهد الحق ورآه فإنما يشاهده في معينه من قوله وهو معكم أينما كنتم هذا حد رؤيته هنا ولا يشاهد متى شوهد إلا من هذا المقام وبهذه الصفة لا بد من ذلك فإذا أغناك فقد أبعدك في غاية القرب وإذا أفقرك فقد قربك في غاية البعد فيا من قربه بعد * ويا من بعده قرب * أقلني من هوى نفسي * فإني الواله الصب وإني هائم فيه * قد استعبدني الحب * ولا مطلب لي إلا * الذي يرضى به الحب
(٣٠٨)