والتقدم وكلما تمكن من التأثير في غيره فإنه يؤثر ويجد في نفسه طلب ذلك كله وحبه وذلك لأنه خلقه الله على صورته وله تعالى العزة والكبرياء والعظمة فسرت هذه الأحكام في العبد فإنها أحكام تتبع الصورة التي خلق عليها الإنسان وتستلزمها فرجال الله هم الذين لم يصرفهم خلقهم على الصورة عن الفقر والذلة والعبودية وإذا وجدوا هذا الأمر الذي اقتضاه خلقهم على الصورة ولا بد ظهروا به في المواطن التي عين الحق لهم أن يظهروا بذلك فيها كما فعل الحق الذي له هذه الصفة ذاتية نفسية فلا يظهر بها إلا في مواطن مخصوصة ويظهر بالنزول والتحبب إلى عباده حتى كأنه فقير إليهم في ذلك ويقيم نفسه مقامهم وإذا كان الحق بهذه الصفة أن ينزل إليكم في صوركم فأنتم أحق بهذا النعت أن لا تبرحوا فيه ولا تنظروا إلى ما تجدونه فيكم من قوة الصورة فذلك له لا لكم كما إن لكم ما نزل إليكم فيه لا له ولولا إن أسماءه الحسنى قامت بكم واتصفتم بها ما تمكن لكم ذلك فردوا أسماءه على صورته لا عليكم وخذوا منه ما نزل لكم فيه فإن ذلك نعتكم وأسماؤكم فإنكم إذا فعلتم ذلك وصلتم إليه أي كنتم من أهل القربة فإن المقرب لا يبقى له القرب والجلوس مع الحق والتحدث معه تعالى اسما إلهيا من الأسماء المؤثرة في العالم ولا من أسماء التنزيه وإنما يدخل عليه بالذلة لشهود عزه وبالفقر لشهود غناه وبالتهيؤ لنفوذ قدرته فينخلع من كل الأسماء التي تعطيه أحكام الصورة التي خلق عليها هذا مذهب سادات أهل الطريق حتى قالوا في ذلك إن صادقين لا يصطحبان إنما يصطحب صادق وصديق ولهذا ما بعث رسول الله ص بعثا قط ولو كان اثنين إلا قدم أحدهما وجعل الآخر تبعا وإن لم يكن كذلك فسد الأمر والنظام وهو متبع في ذلك حكم الأصل فإنه لو كان مع الله إله آخر لفسد الأمر والنظام كما قال لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فمن أراد صحبة الحق فليصحبه بحقيقته وجبلته من ذله وافتقاره ومن أراد صحبة الخلق فليصحبه بما شرع له ربه لا بنفسه ولا بصورة ربه بل كما قلنا بما شرع له فيعطي كل ذي حق حقه فيكون عبدا في صورة حق أو حقا في صورة عبد كيفما كان لا حرج عليه ولما كان هذا كله مذهب أهل الله كشف الله لنا من زيادة العلم التي أمتن الله بها علينا مع مشاركتنا إياهم فيما ذهبوا إليه إن الله أطلعنا على أن جميع ما يتسمى به العبد ويحق له النعت به وإطلاق الاسم عليه لا فرق بينه وبين ما ينعت به من الأسماء الإلهية فالكل أسماء إلهية فهو في كل ما يظهر به مما ذكروه مما تقتضيه العبودية عندهم والصورة ليس له وإنما ذلك لله وما له من نفسه سوى عينه وعينه ما استفادت صفة الوجود إلا منه تعالى فما سماه باسم إلا وهو له تعالى فإذا خرج العبد من جميع أسمائه كلها التي تقتضيها جبلته والصورة التي خلق عليها حتى لا يبقى منه سوى عينه بلا صفة ولا اسم سوى عينه حينئذ يكون عند الله من المقربين ووافقنا على هذا القول شيخنا أبو يزيد البسطامي حيث قال وأنا الآن لا صفة لي يعني لما أقامه الله في هذا المقام فصفات العبد كلها معارة من عند الله فهي لله حقيقة ونعتنا بها فقبلناها أدبا على علم أنها له لا لنا إذ من حقيقتنا عدم الاعتراض إنما هو التسليم الذاتي المحض لا التسليم الذي هو صفة له فإن ذلك له فإذا كان العبد ما عنده من ذاته سوى عينه بالضرورة يكون الحق جميع صفاته ويقول له أنت عبدي حقا فما سمع سامع في نفس الأمر إلا بالحق ولا أبصر إلا به ولا علم إلا به ولا حي ولا قدر ولا تحرك ولا سكن ولا أراد ولا قهر ولا أعطى ولا منع ولا ظهر عليه وعنه أمر ما هو عينه إلا وهو الحق لا العبد فما للعبد سوى عينه سواء علم ذلك أو جهله وما فاز العلماء إلا بعلمهم بهذا القدر في حق كل ما سوى الله لا أنهم صاروا كذا بعد أن لم يكونوا فلمثل هذا فليعمل العاملون وفي مثل هذا فليتنافس المتنافسون والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب العاشر وأربعمائة في معرفة منازلة وأن إلى ربك المنتهى فاعتزوا بي تسعدوا) وليس وراء الله مرمى لرام * هذا هو الحق الذي لا يرام هذا مقام الحق لا تعتدوا * يحرم في هذا المقام المقام إذا وصلتم إخوتي فارجعوا * هذا وجود ما لديه انصرام رجوعكم منه إليكم فما * ثم سوى عين الورى والإمام
(١٣)