وأعمتها الحاجة عن اختلاف الأسباب وقيام كل سبب عن الآخر وقالت لعل هذا الغيب الذي دعاني إليه يكون مثل الشهادة كثيرين يغني الواحد منهم عن الآخر فأبقى على حالتي ولا أتعب ذاتي في مظنون فتثبطت عن إجابة الداعي ثم إن الله بحكمته في وقت قطع عنها الأسباب كلها واضطرها فلما لم تجد سببا تستند إليه ظاهرا جنحت إلى ذلك الغيب الذي دعاها لعل بيده فرجا يخرجها من الضيق الذي تجده فأجابته مضطرة وهو البلد الذي خبث فلا يخرج نباته إلا نكدا قال تعالى وإذا مسكم الضر في البحر فنبه على موضع انقطاع الأسباب ضل من تدعون يعني الأسباب إلا إياه فكان هو السبب الذي ينجي فلما نجاه الله وأغاثه واستقل قال هذا أيضا من جملة الأسباب التي يقوم بعضها عن بعض فيما نريده فجعله واحدا من الأسباب وهو المشرك فما خرج إلا نكدا ولهذا سارع في الرجعة إلى السبب الظاهر فتميز الفريقان وإنما كان فريقان في العالم بهذه المثابة لما حكم به الأصل فإن الأصل فيه جبر واختيار فبالاختيار لم يزل يسقط من الخمسين صلاة عشرا عشرا حتى انتهى إلى خمسة وبعدم الاختيار أثبتها خمسة وقال ما يبدل القول لدي وكان المجبر له ما أعطاه المعلوم فلم يتعد علمه فيه والذين يلجئون فيه إلى الله في حال الاضطرار الكلي استنادهم من حيث لا يعلمون إلى هذا الأصل في الحكم والفريق الآخر استناده إلى حكم الاختيار في أنه تعالى فعال لما يريد فأهل الضرورة في الرجعة أحق وأهل الاختيار في الرجعة أوفق وأسعد فالذي خرج نكدا له من الأحوال الإلهية قوله تعالى ما ترددت في شئ أنا فاعله ترددي في قبض نسمة المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له من لقائي يقول لا بد أن أميته على كره مني وهو المعلوم الذي جعلني في هذا لأني علمت منه وقوع هذا فلولا حصول العلم عنده من الممكنات كما هي في أنفسها عليه ما صح تردد ولا فعل ما فعله أو بعض ما فعله على كره فانظر فيما أعطاه هذا الذكر من العلم القريب والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الموفي ثلاثين وخمسمائة في معرفة حال قطب كان منزله يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا) الجهل بالله عين الجهل بي ولذا * سترت نفسي عن مثلي وأشكالي وقد علمت بأن الله ينظرني * على الذي قال لا تخطره بالبال فما الجواب إذا قال الجليل لنا * لما فعلتم فقلنا له الحكم للحال الحال موهبة وأنت واهبها * هلا حفظت وجودي حفظ أمثالي فلا تلمني ولم من أنت تعرفه * وأنت تدريه رب القيل والقال اعلم أيدنا الله وإياك بروح منه أن الجهل بالله إنما كان من جهلك بك فإن الله ما جعل دليلا على العلم به إلا علمك بك فجعل الآية في نفسك وقال النبي ص المترجم عنه من عرف نفسه عرف ربه وما أحسن ما قال تعالى يستخفون من الناس فإنهم مجبولون على النسيان ولا يستخفون من الله الذي لا يضل ولا ينسى وكان الأولى لو صح عكس القضية إلا أنه لا يصح أن يستخفي شئ عن الله والسبب الموجب للاستخفاء عن الناس ما علموا منهم من الحب في ظهور التحكم فيهم بقدر الحال والاستطاعة وبما فيهم من حب الثناء الحسن وطلب المحمدة فإذا اطلعوا على هذا الذي أشرنا إليه من العمل سقطت حرمة العامل من قلب الذي يراه وقام عليه لسان الذم منه وسبب ذلك الجنسية ومع كونه يعلم أن الله يحيط به علما لكن يرى هذا العامل أن الأسماء الإلهية تتحاور فيه في حال هذا العمل ولا سيما الاسم الحليم والصبور ويعلم أن الاختفاء منه محال فلا بد من إتيان ما أتى به فإن كان مؤمنا أتاه على كره فأشبه قبض الحق بالموت نسمة المؤمن على كره فيجد في مثل هذا اتساعا يجول فيه حتى أنه ربما قال في سوية الحق في ذلك ولا يقول مثل هذا إلا غير أديب ألا تراه يقول تعالى في تمام هذه الآية وكان الله بما تعملون محيطا ينبه أن هذا العمل الذي هو فيه قد أحطت علما به من نفسي من حيث كرهت أشياء لا بد من أني أوجدها وأحببت أشياء وإنما قال ذلك لإقامة عذر عبده المؤمن فإنه ما يكره فعل ما يستخفي منه ويستخفي بسببه إلا المؤمن بأن هذا لا يجوز عمله شرعا فالإحاطة من الله بالأشياء مثل
(١٧٣)