الدار الدنيا فأذاقه الله مرارة الصدق هنا ليعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه فإن الدنيا دار بلاء ورحم الله الجميع ورجع عليهم بالرحمة ولكن على التفاضل فيها وما فعل ذلك وأخبرنا به إلا لنكون بتلك الصفة الإلهية مع عباده في معاملتهم إيانا فمن صدقنا رأينا له منزلة صدقه ومن كذب لنا لم نفضحه وتغاضينا عن كذبه وأظهرنا له قبول قوله لأن قوله وجود فقبلناه ومدلوله عدم فلم نجد من يقبل فبقينا على البراءة الأصلية فإن المعدوم ليس بمنازع فمن كان هذا ذكره ولم يكن له هذا الخلق فما ذكره هذا الذكر قط والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الثامن عشر وخمسمائة في معرفة حال قطب كان منزله حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير) جزاء من أصعق في حاله * جزاؤه الجهل بمن أصعقه لو أنه يثبت في حاله * ما استفهم الكون الذي حققه وهو الذي قيده وحيه * وهو الذي من قيده أطلقه ما أنور السر الذي قد أتى * منه إلى القلب وما أشرقه وهو على مقداره محكم * لا زائد يدريه من طبقه اعلم أيدنا الله وإياك بروح منه أن الملائكة أرواح في أنوار وأنها أولوا أجنحة فإذا تكلم الله بالوحي على صورة خاصة وتعلقت به أسماعهم كأنه سلسلة على صفوان ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لهذا التشبيه فتصعق حتى إذا فزع الله عن قلوبهم وهو إفاقتهم من صعقهم قالوا ماذا يقول بعضهم لبعض فيقول بعضهم ربكم أعلاما بأن كلامه عين ذاته فيقول بعضهم لهذا القائل الحق أي الحق بقول وهو العلي الكبير عن هذا التشبيه ولكن هكذا نسمع فمن السمع أتينا * فهو منا وهو فينا * أورث القلب بما * أوحى به داء دفينا لم يكن ذلك منه * بل من الفهم دهينا * وكذا كل سميع * من جميع المؤمنينا فإذا صير ليثا * نفسه كنت عرينا * لم يسعه غير قلبي * هكذا جاء يقينا كل صورة تجلى * لي بها حينا فحينا * فإنا أظهر فيها * عندكم صبحا مبينا وهو الغني حقا * عن جميع العالمينا * فإذا رأيت نفسي * لم أرى إلا المتينا لا يرى باسم سواه * في عيون الناظرينا ومن علم أن للملائكة قلوبا أو علم القلوب ما هي علم إن الله تعالى ما أسمعهم في الوحي الذي أصعقهم إلا ما يناسب من الوحي كل يوم هو في شأن ويقلب الله الليل والنهار فمن فزع الله عن قلبه رأى حقيقة انقلابه في الصور وتحوله فيها فعلم إن العالم كله في كل نفس في تحول وانقلاب فعلم من ذلك أن ذلك للشؤون التي هو الحق فيها فهو المحول القلب في الليل والنهار بما يقلبها وفي السماء بما يوحي فيها وفي الأرض بما يقدر فيها وفيما بينهما بما ينزل فيه وفينا بما نكون عليه وهو معنا أينما كنا فنتحول لتحوله ونتقلب لتقلبه فإن من أسمائه الدهر ونستغني به لغناه وأما علمنا بتفاضل بعض الملائكة في العلم بالله على بعض فلما ورد في هذا الذكر من الاستفهام في قول من قال منهم ماذا وهو قولهم وما منا إلا له مقام معلوم في العلم بالله وأما رفع التهمة عنهم فيما بينهم وتصديق بعضهم بعضا وانصباغ بعضهم بما عند بعض مما يكون عليه ذلك البعض من صورة العلم بالله فيفيد بعضهم بعضا فمن قوله عنهم قالوا الحق ابتداء ولم ينازعوا عند ما قال لهم المسؤول ربكم ثم أقيموا في ليس كمثله شئ فلم يروه إلا في الهوية وهي ما غاب عنهم من الحق في عين ما تجلى وتلك الهوية هي روح صورة ما تجلى فنسبوا إليها أعني إلى الهوية من ليس كمثله شئ العلو عن التقييد والكبرياء عن الحصر فقالوا بل قال عن نفسه وهو المعلوم عندنا الذي أعطاه الكشف عند قولهم ماذا قال ربكم قالوا الحق إلى هنا انتهى كلام الملائكة فقال الله وهو العلي الكبير كما قال لنا ليس كمثله شئ فقدم ما أخر في خطاب الملائكة وهو السميع البصير فأخر عندنا ما قدم في خطاب الملائكة فنهاية ما خاطب به الملائكة بدايتنا وبداية ما خاطبنا به وعرفنا من قول الملائكة
(١٥٩)