الرسالة لي الناس كافة باللسان العربي فعم جميع كل لسان فنقل شرعه بالترجمة فعم اللغات وأما الفتح الوسط فهو فتح الأذواق وهو العلم الذي يحصل للعالم به بالتعمل في تحصيله كعلم الفرقان للمتقي فإنه حصله بتقوى الله مع ما انضاف إليه من تكفير السيئات وغفر الذنوب وهذا علم مخصوص بأهل الطريق وهم أهل الله وخاصته وهو علم الأحوال وإن كانت مواهب فإنها لا توهب إلا لمن هو على صفة خاصة وإن كانت تلك الصفة لا تنتجها في الدنيا لكل أحد ولكن لا بد أن تنتج في الآخرة فلما لم يكن من شرطها الانتاج في الدنيا قيل في علم الأحوال أنها مواهب وهو حصولها عن الذوق ومعنى عن الذوق أول التجلي فإن التوكل مثلا الذي هو الاعتماد على الله فيما يجريه أو وعد به فالذوق فيه الزائد على العلم بذلك عدم الاضطراب عند الفقد لما تركن النفس إليه فيكون ركونها في ذلك إلى الله لا إلى السبب المعين فيجد في نفسه من الثقة بالله في ذلك أعظم مما يجده من عنده السبب الموصل إلى ذلك كالجائع ليس له سبب يصل به إلى نيل ما يزيل جوعه من الغذاء وجائع آخر عنده ما يصل به إلى نيل ما يزيل ما عنده فيكون صاحب السبب قويا لوجود المزيل عنده وهذا الآخر الذي ما عنده إلا الله يساويه في السكون وعدم الاضطراب لعلمه بأن رزقه إن كان بقي له رزق فلا بد من وصوله إليه فسمى عدم هذا الاضطراب ممن هذه صفته من فقد الأسباب ذوقا وكل عاقد يجد الفرق بين هذين الشخصين فإن العالم الذي ليس له هذا الذوق يضطرب عند فقد المزيل مع علمه بأن رزقه إن كان بقي له رزق لا بد أن يصل إليه ومع هذا العلم لا يجد سكونا نفسيا مع الله وصاحب الذوق هو الذي يجد السكون كما يجده صاحب السبب المزيل لا فرق بل ربما هو أوثق وهو قول بعض العلماء إن الإنسان لا ينال هذه الدرجة حتى يكون بربه أوثق منه بما في يده لأن الوعد الإلهي صادق لا تتطرق إليه الآفات والذي بيده من الأسباب يمكن أن يتطرق إليه الآفات فيحال بينه وبين من هو عنده بأي وجه كان فلذلك قلنا إن المتوكل ذوقا أتم في السكون من صاحب السبب الحاصل المزيل لهذا الألم فاعلم ذلك فهذا هو الوسط من علم الفتح وصاحبه يلتذ في باطنه غاية الإلتذاذ وأما المعنى من هذه الحضرة فهو ما يطالع به العبد من العلم بالله إذا كان الحق أعني هوية الحق صفات هذا العبد فما يحصل له من العلم إذا كان بهذه الصفة هو المعنى الحاصل من هذه الحضرة وما كل أحد ينال هذا المقام من هذه الحضرة وإن كان فيها فإن الناس يتفاضلون في ذلك ومن هذه الحضرة قال رسول الله ص حين ضرب بين كتفيه علمت علم الأولين والآخرين بذلك الوضع وتلك الضربة أعطاه الله فيها ما ذكره من العلم ويعني بذلك العلم بالله فإن العلم بغير الله تضييع الوقت فإن الله ما خلق العالم إلا له ولا سيما هذا المسمى بالإنس والجن فإنه نص عليه إنه خلقه لعبادته وذكر عن كل شئ أنه يسبح بحمده فمن علم الله بمثل هذا العلم علم إن كل نطق في العالم كان ذلك النطق ما كان مما يحمد أو يذم أنه تسبيح بوجه لله بحمده أي فيه ثناء على الله لا شك في ذلك ومثل هذا العلم بحمد الله حصل لنا من هذه الحضرة ولكن ما يعرف صورة تنزيله علما بحمد الله والثناء عليه إلا من اختصه الله بوهب هذه الحضرة على الكمال فيسب إنسان إنسانا وهو عند هذا السامع صاحب هذا المقام تسبيح بحمد الله فيؤجر السامع ويأثم القائل والقول عينه وهذا من العلم اللطيف الذي يخفى على أكثر الناس وهو في العلوم بمنزلة أسماء الأشياء كلها إنها أسماء الله في قوله يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله خبرا صدقا مع علمنا بما نفتقر إليه من الأشياء فهذا وذلك سواء لمن كان له قلب أو ألقى السمع فسمع بالله وهو شهيد فأبصر بالله وهذا القدر من الإيماء كاف في هذه الحضرة والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (حضرة العلم وهي للاسم العليم والعالم والعلام) إن العلوم هي المطلوب بالنظر * فانظر وفكر فإن الفكر معتبر لولا العلوم التي في الكون ما ظهرت * أفكار من هو في الأشياء معتبر هو الإمام الذي يدريه خالقه * والنجم يعرفه والشمس والقمر كيوسف حين خروا سجدا ومضت * أحكامه فيهم بالله فاعتبروا
(٢٢١)