القبض أعم في الدنيا من البسط فمن الناس من وفقهم الله لوجود أفراح العباد على أيديهم أول درجة من ذلك من يضحك الناس بما يرضى الله أو بما لا رضاء فيه ولا سخط وهو المباح فإن ذلك نعت إلهي لا يشعر به بل الجاهل يهزأ به ولا يقوم عنده هذا الذي يضحك الناس وزن وهو المسمى في العرف مسخرة وأين هو هذا الجاهل بقدر هذا الشخص من قوله تعالى وإنه هو أضحك وأبكي ولا سيما وقد قيدناه بما يرضى الله أو بما لا رضاء فيه ولا سخط فعبد الله المراقب أحواله وآثار الحق في الوجود يعظم في عينه هذا المسمى مسخرة وكان لرسول الله ص نعيمان يضحكه ليشاهد هذا الوصف الإلهي في مادة فكان أعلم بما يرى ولم يكن رسول الله ص ممن يسخر به ولا يعتقد فيه السخرية وحاشاه من ذلك ص بل كان يشهده مجلي إلهيا يعلم ذلك منه العلماء بالله ومن هذه الحضرة كان رسول الله ص يمازح العجوز والصغير يباسطهم بذلك ويفرحهم ألا ترى إلى أكابر الملوك كيف يضاحكون أولادهم بما ينزلون إليهم في حركاتهم حتى يضحك الصغير ولم أر من الملوك من تحقق بهذا المقام في دسته بحضور أمرائه والرسل عنده مثل الملك العادل أبي بكر بن أيوب مع صغار أولاده وأنا حاضر عنده بميافارقين بحضور هذه الجماعة فلقد رأيت ملوكا كثير ولم أر منهم مثل ما رأيته من الملك العادل في هذا الباب وكنت أرى ذلك من جملة فضائله ويعظم به في عيني وشكرته على ذلك ورأيت من رفقه بالحريم وتفقد أحوالهن وسؤاله إياهن ما لم أر لغيره من الملوك وأرجو أن الله ينفعه بذلك واعلم أن الفرق بين الحضرتين أن القبض لا يكون أبدا إلا عن بسط والبسط قد يكون عن قبض وقد يكون ابتداء فالابتداء سبق الرحمة الإلهية الغضب الإلهي والرحمة بسط والغضب قبض والبسط الذي يكون بعد قبض كالرحمة التي يرحم الله بها عباده بعد وقوع العذاب بهم فهذا بسط بعد قبض وهذا البسط الثاني محال أن يكون بعده ما يوجب قبضا يؤلم العبد فالبسط عام المنفعة وقد يكون فيه في الدنيا مكر خفي وهو إرداف النعم على المخالف فيطيل لهم ليزدادوا إثما وهو قوله ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين والإملاء بسط في العمر والدنيا فيتصرفون فيهما بما يكون فيه شقاؤهم ومن البسط ما يكون أيضا مجهولا ومعلوما أعني مجهول السبب فيجد الإنسان في نفسه بسطا وفرحا ولا يعرف سببه فالعاقل من لا يتصرف في بسطة المجهول بما يحكم عليه البسط فإنه لا يعرف بما يسفر له في عاقبته هل بما يقبضه ويندم فيه أو بما يزيده فرحا وبسطا فالمكر الخفي فيه إنما هو لكونه مجهول السبب وقوة سلطانه فيمن قام به والدار الدنيا تحكم على العاقل بالوقوف عند الجهل بالأسباب الموجبة لبعض الأحوال فيتوقف عندها حتى ينقدح له أمرها فإذا علم تصرف في ذلك على علم فإما له وإما عليه بحسب ما يوفقه الله وينصره أو يخذله فمن الله نسأل العصمة من الزلل في القول والعمل ومن هذه الحضرة يدعو إلى الله من يدعو على بصيرة فيدعو من باب البسط من يعلم أن البسط يعين على الإجابة من المدعو ويدعو من باب القبض من يعلم أن القبض بعين على إجابة المدعو فهذا الداعي وإن كان في مقام مباسطة الحق فإنه يدعو بالقبض والبسط فإنه يراعي المصلحة ويدفع بالتي هي أحسن في حق المدفوع عنه وفي حق نفسه والأدب أعظم ما ينبغي أن يستعمل في هذه الحضرة فإن البسط مطلب النفوس فليحذر غوائلها والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (حضرة الخفض) إن التواضع حكم ليس يعرفه * إلا العلي الذي لله يخفضه تنزل الحق إكراما إلى درج * به يجزئه به يبعضه يقسم الخلق في تعيين رتبته * قسم يحببه وقسم يبغضه إن الذي خفض الأكوان أجمعها * عن المقام الذي بما يخفضه رفعت همته نحو العلى عسى * يوما على غلظ يكون تنهضه أبرمت أمرا وفي الإبرام حاجته * فجاء في الحال للحرمان ينقضه
(٢٢٥)