في المرآة نفسه فيحكم بالصورتين صورته وصورة ما شفعها فلذلك ما أتى الحق في الإخبار عن كينونته معنا إلا مشفعا لفرديتنا فجعل نفسه رابعا وسادسا وأدنى من ذلك وهو أن يكون ثانيا وأكثر وهو ما فوق الستة من العدد الزوج أعلاما منه تعالى أنه على صورة العالم أو العالم على صورته وما ذكر في هذه الكينونة إلا كونه سميعا من كون من هو معهم يتناجون لا من كونهم غير متناجين فإذا سمعت الحق يقول أمرا ما فما يريد الأعيان وإنما يريد ما هم فيه من الأحوال إما قولا وإما غير قول من بقية الأعمال إذ لا فائدة في قصد الأعيان لعينهم وإنما الفائدة إحصاء ما يكون من هذه الأعيان من الأحوال فعنها يسألون وبها يطلبون فيقال له ما أردت بهذه الكلمة ولذلك ورد في الخبر الصحيح أن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما لا يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب بها في عليين وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما لا يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب بها في سجين فاعلم عباده أن للمتكلم مراتب يعلمها السامع إذا رمى بها العبد من فمه لم تقع إلا في مرتبتها وإن المتلفظ بها يتبعها في عاقبة الأمر ليقرأ كتابه حيث كان ذلك الكتاب فعبد السميع هو الذي يتحفظ في نطقه لعلمه بمن يسمعه وعلمه بمراتب القول فإن من القول ما هو هجر ومنه ما هو حسن وإذا كان هو السامع فينظر في خطاب الحق إياه أما في الخطاب العام وهو كل كلام يدركه سمعه من كل متكلم في العالم فيجعل نفسه المخاطب بذلك الكلام ويبرز له سمعا من ذاته يسمعه به فيعمل بمقتضاه وهذا من صفات الكمل من الرجال ودون هذه المرتبة من لا يسمع كلام الحق إلا من خبر إلهي على لسان الرسول أو من كتاب منزل وصحيفة أو من رؤيا يرى الحق فيها يخاطبه فأي الرجلين كان فلا بد أن يهيئ ذاته للعمل بمقتضى ما سمع من الحق كما فعل الحق معه فيما يتكلم به العبد في نجواه نفسه أو غيره فإن الإنسان قد يحدث نفسه كما قال أو ما حدثت به أنفسها وهو تنبيه إن المتكلم إذا لم يكن ثم من يسمعه لا يلزم من ذلك أنه لا يتكلم فأخبر إن نفسه تسمع وهو متكلم فيحدث نفسه فيما هو متكلم يقول وبما هو ذو سمع يسمع ما يقول فعلمنا إن الحق ولا عالم يكلم نفسه وكل من كلم غيره فقد كلم نفسه وليس في كلام الشئ نفسه صمم أصلا فإنه لا يكلم نفسه إلا بما يفهمه منها بخلاف كلام الغير إياه فلا يقال فيمن يكلم نفسه أنه ما يفهم كلامه كيف لا يفهمه وهو مقصود له دون قول آخر فما عينه حتى علمه وما له تعيين كلام غيره وكذلك قد يكون ذا صمم عنه إذا لم يفهمه لأنه لا فرق بين الصمم الذي لا يسمع كلام المخاطب وبين من يسمع ولا يفهم أو لا يجيب إذا اقتضى الإجابة ولهذا قال الله فيهم إنهم صم فلا يعقلون ومن عقل فالمطلوب منه فيما أسمعه أن يرجع فلا يرجع فمن تحقق بهذه الحضرة وعلم إن كلامه من عمله وإن الله عند لسانه في قوله قل كلامه حتى في نفسه به والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (حضرة البصر) إن البصير الذي يراكا * علما وعينا إذا تراه فكن به لا تكن بكون * ولا تشاهد فيه سواه فإنه قوله مجيبا * بنا يرانا به نراه يدعى صاحبها عبد البصير ومن هذه الحضرة الرؤية والمشاهدة فلا بد من مبصر ومشهود ومرئي قال الله تعالى لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وقال ألم يعلم بأن الله يرى وقال وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة وقال ص ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر وكما ترون الشمس بالظهيرة ليس دونها سحاب يريد بذلك ارتفاع الشك في أنه هو المرئي تعالى لا غيره فيلزم عبد البصير الحياء من الله في جميع حركاته وإنما لزمه الحياء لوجود التكليف فعبد البصير لا يبرح ميزان الشرع من يده يزن به الحركات قبل وقوعها فإن كانت مرضية عند الله ودخلت في ميزان الرضي اتصف بها هذا الشخص وإن لم تدخل له في ميزان الرضي وحكم عليها الميزان بأنها حركة بعد عن محل السعادة وإنها سوء أدب مع الله حمى نفسه عبد البصير أن يظهر منه هذه الحركة فعبد البصير يخفض الميزان ويرفعه صفة حق فإن الله ما وضع الميزان إلا ليوزن به وهو مما بين السماء والأرض فما خلقه باطلا
(٢٣٣)