لذاك قسمت ما عندي على بدني * من الضنا والجوى والدمع والأسف فالتكليف المطلق يطلق ويراد به أمران الأمر الواحد أن يعم الإنسان أجمعه مثل قوله يصبح على كل سلامي منكم صدقة وهو قوله إياك نعبد بنون الجمع لعموم التكليف وإطلاقه في ذات المكلف ومن هذا الباب أعني إطلاق التكليف ما اجتمعت فيه جميع الشرائع ولم تنفرد به شريعة دون أخرى وهو قوله أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه فعم وأطلق والأمر الآخر من الإطلاق إدخاله نفسه معنا تعريفا أنه مأمور وآمر وناه ومنهي ربنا لا تؤاخذنا ربنا ولا تحمل علينا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به والأمر واغفر لنا وارحمنا فانصرنا هذا منا عن أمر مشروع والجواب منه في الصحيح قد فعلت قد فعلت والأمر منه أقيموا الصلاة آتوا الزكاة أقرضوا الله الجواب منا على قسمين بخلاف ما كان منه فجواب موافق لجوابه وهو قولنا سمعنا وأطعنا وجواب غير موافق من جميع الجهات لإجابته وهو قوله سمعنا وعصينا وهذا كلام من أبعده الله عن سعادته وقرب إليه بهذه الإجابة شقاوته فقد أبنت لك عن إطلاق التكليف وهذا من إنصاف الحق عباده ليطلب منهم النصف ثم إنه في موطن آخر جعل لقوم آخرين ممن كتب عليهم شقاء مستندا إلهيا لم يقم فيه مقام الإنصاف فأعمى عليهم فعموا فنسب إليهم ما هو إليه وأشقاهم به ثم قال فلله الحجة البالغة لأن النزاع وقع بينه وبينه لأنه في نفس الأمر ما ثم إلا حكمان ما ثم ذاتان فافهم وعندنا ما كانت الحجة البالغة لله على عباده إلا من كون العلم تابعا للمعلوم ما هو حاكم على المعلوم فإن قال المعلوم شيئا كان لله الحجة البالغة عليه بأن يقول له ما علمت هذا منك إلا بكونك عليه في حال عدمك وما أبرزتك في الوجود إلا على قدر ما أعطيتني من ذاتك بقبولك فيعرف العبد أنه الحق فتندحض حجة الخلق في موقف العرفان الإلهي الخاص وأما في العموم فالأمر فيه قريب والحكم يختلف بحسب فهم الرجال فيه فما كل أحد تقام عليه حجة تقام على الآخر فلكل صنف حجة عند الله بها يظهر على عباده وهو القاهر بالحجة فوق عباده وهو الحكيم الخبير حيث يظهر على كل صنف بما تقوم به الحجة لله عليه فلو لا إطلاق التكليف ما كان خصما ولا عمل لنا معه مجلس حكم ولا ناظرناه فافهم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الثامن والخمسون وأربعمائة في معرفة منازلة إدراك السبحات الوجهية) سبحات الوجه * تدركنا وهي بالإدراك تعدمنا * غيرة منها عليه فهل * أحد منكم يفهمنا كيف كان الأمر فيه فلم * تلق موجودا يعرفنا قال الله تعالى الله نور السماوات والأرض وقال ص في الحجب الإلهية المرسلة بينه وبين خلقه إنه تعالى لو رفعها لأحرقت سبحات الوجه ما أدركه بصره من خلقه وقيل له ص أرأيت ربك فقال نوراني أراه فهذه الحجب إن كانت مخلوقة فكيف تبقي للسبحات فإنها غير محجوبة عنها لكن اعلم أنه سر أخفاه الله عن عباده سمي ذلك الإخفاء حجبا نورية وظلامية فالنور منها ما حجب به من المعارف الفكرية به والظلمة منها ما حجب به من الأمور الطبيعية المعتادة فلو رفع هذه الحجب عن بصائر عباده لا حرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره من خلقه وهذا الإحراق إنما هو اندراج نور أدنى هم فيه بل هم هو في نور أعلى كاندراج أنوار الكواكب في نور الشمس كما يقال في الكوكب إذا كان تحت الشعاع مع وجود النور في ذات الكوكب أنه محترق فلا يراد به العدم بل تبدل الحال على العين الواجدة في نظر الناظر فانتقل الاسم عليه وعنه بانتقال الحكم كان الحطب حطبا فلما احترق سمي فحما والجوهر واحد ومعلوم أن الكواكب على ضوئها في نفسها ولكن لا نراها لضعف الإدراك فلو رفعها في حق العلماء لرأوا نفوسهم عينه وكان الأمر واحدا لكنه رفعها عنهم فرأوا ذواتهم ذاتا واحدة فقالوا ما حكي عنهم من أنا الله وسبحاني لكن العامة لم ترفع عنهم فلم يشهدوا الأمر على ما هو عليه فتنازعوا أمرهم بينهم وأسر العارفون النجوى أدبا مع الله فإنهم الأدباء قال ص لا تعطوا الحكمة غير أهلها فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم فما قال الشارع للعارفين شيئا أشد تكليفا من هذا الحكم لأنه أمرهم بالمراقبة لكل شخص شخص فهم يراقبون العالم من أجل هذا الحديث لأنهم أهل حكمة فمن رأوا فيه الأهلية أعطوه لئلا يتصفوا بالظلم في حقه وإن لم يروا فيه أهلية لم يعطوه لئلا
(٧٢)