فإذا ما ظلم الغير له * حكم ما شاء بحكم فاصل وحقوق الله أولى وكذا * حق نفسي بعدها للعاقل ثم حق الغير في رتبته * آخرا عند العليم الفاضل وعذاب الظلم ذوق فاحذروا * منه في العاجل أو في الآجل وعلوم الذوق ما يجهلها * من يرى أحكامها في العاجل اعلم أيدنا الله وإياك بروح القدس أن الظلم هنا هو الظلم الذي جاء في قوله تعالى الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم وليس إلا الظلم الذي قال فيه لقمان لابنه لا تشرك بالله أن الشرك لظلم عظيم كذا فسره رسول الله ص فمن التزم هذا الذكر بهذه الآية أقامه الحق مقامه في العالم وقلده أمر عباده ولو بلغ العبد ما عسى إن يبلغ لا يزال خلقا ومن حقيقة الممكن العجز فلا بد من القصور في رتبة التصريف ذوقا فلا بد أن يحصل له من العذاب النفسي ذوق كبير لأنه ليس في قوته إن يرضي العالم فإن الله ما أرضاهم ولله الاتساع الذي لا يمكن أن يكون للعبد ولو اتسع الخليفة ما اتسع فإن صيق الطبيعة لا بد أن يحكم عليه فيضيق عن السعة الإلهية فيتعذب بقدر ما ذاق العذاب الكبير هذا وهو وال من عند الله بأمر الله قال تعالى في حق الكامل ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون يعني في حق الله وتكذيبه فهذا هو العذاب الكبير الذي ذاقه وظلمه المذكور في هذا الذكر إنما كان لكونه قبل الولاية عن العرض الإلهي فهو مع الأمر يضيق ولا يسمى ظالما ومع العرض يكون ظالما ويذوق العذاب الكبير إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال وأي أمانة أعظم من النيابة عن الحق في عباده فلا يصرفهم إلا بالحق فلا بد من الحضور الدائم ومن مراقبة التصريف فأبين أن يحملنها وأشفقن منها أي خفن أن لا يقمن بحقها فاستبرأن لأنفسهن وحملها الإنسان عرضا أيضا لما وجد في نفسه من قوة الصورة التي خلق عليها إنه كان ظلوما لنفسه وهو قوله ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا فإذا ظلم نفسه بقبول النيابة المعروضة عليه أذاقه الله ما قال الله لأبي يزيد أخرج إلى عبادي بصورتي يعني خليفة فمن رآك رآني فلما خطا عنه خطوة غشى عليه فقال الحق ردوا على حبيبي فلا صبر له عني فالنيابة مع الأمر يكون فيها الحرج وضيق الصدر فكيف بالعرض فمن زهد في الخلافة المعروضة فمن هذا الذكر زهد وتركها ولم يقبلها وأشفق منها ومن قبلها من أصحاب هذا الذكر فبتأويل دخل لهم في أول الدخول في هذا الذكر وهو لفظة العذاب فإنه من العذوبة وهي التلذذ بالأمر وهو قول أبي يزيد في بعض أحواله وكل مآربي قد نلت منها * سوى ملذوذ وجدي بالعذاب ولم يقل بالآلام وإنما قال بالعذاب لما فيه من العذوبة وهي اللذة باللذة أي أنه يلتذ باللذة لا أنه يلتذ بالأشياء وهذا مثل ما يقوله أهل النظر في العلم إن بالعلم يعلم العلم وبالرؤية ترى الرؤية في مذهب المتكلمين وكذلك تدرك اللذة باللذة فاعلم ذلك فإنه باب غريب في الذكر والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الثاني والأربعون وخمسمائة في معرفة حال قطب كان منزله ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا) إنما تعمي القلوب في الصدور * التي تحوي عليهن الصدور ثم هذا الحكم فيمن صدرت * عن ورود كان منها الأمور ليس يعمى صادر عنه به * كيف يعمى من له عين الظهور قال الله تعالى ولكن تعمي القلوب التي في الصدور على الوجهين الواحد من الوجهين للحصر والثاني للرجوع فاعلم أن العماء حيرة وأعظمه الحيرة في العلم بالله والعلم بالله على طريقين الطريق الواحدة النظر الفكري فلا يزال صاحب هذا الطريق إذا وفي النظر حقه في حيرة إلى الموت فإنه ما من دليل إلا وعليه عنده دخل وشبهة لاتساع عالم الخيال إذا لقوة المفكرة ما لها تصرف إلا في هذه الحضرة الخيالية إما بما فيها مما اكتسبته من القوي الحسية
(١٨٥)