لا ينال عهدي الظالمين فأمرنا الحق أن نتبع ملة إبراهيم لأن العصمة مقرونة بها فإن رسول الله ص قد نبه على أنه من طلب الإمارة وكل إليها ومن أعطيها من غير مسألة أعين عليها وبعث الله ملكا يسدده والملك معصوم من الخطاء في الأحكام المشروعة في عالم التكليف فكان الخليل حنيفا أي مائلا إلى الحق مسلما منقادا إليه في كل أمر فكان يوالي الخير حيثما كان قالوا لي الكامل من والى بين الأسماء الإلهية فيحكم بينها بالحق كما يحكم الوالي الكامل الولاية من البشر بين الملأ الأعلى إذ يختصمون ولهذا أمروا بالسجود لآدم ع فإن الاعتراض خصام في المعنى والخصم قوي فلما أعطى الإمامة والخلافة وأسجدت له الملائكة وعوقب من أساء الأدب عليه وتكبر عليه بنشأته وأبان عن رتبة نفسه بأنها عين نشأته فجهل نفسه أولا فكان بغيره أجهل ولا شك أن هذا المقام يعطي الزهو والافتخار لعلو المرتبة والزهو والفخر داء معضل وإن كان بالله تعالى فأنزل الله لهذا الداء دواء شافيا فأمر الإمام بالسجود للكعبة فلما شرب هذا الدواء برئ من علة الزهو وعلم إن الله يفعل ما يريد وما تقدم على من تقدم عليه من الملائكة بالصفة التي أعطاه الله لعلو رتبته على الملائكة وإنما كان ذلك تأديبا من الله لملائكته في اعتراضهم وهو على ما هو عليه من البشرية كما أنه قد علم أنه ما سجد للكعبة لكون هذا البيت أشرف منه وإنما كان دواء لعلة هذه الرتبة فكان الله حفظ على آدم صحته قبل قيام العلة به فإنه من الطب حفظ الصحة وهو أن يحفظ المحل أن يقوم به مرض لأنه في منصب الاستعداد لقبول المرض وقد علم أنه وإن سجد للبيت فإنه أتم من البيت في رتبته فعلم إن الملائكة ما سجدت له لفضله عليهم وإنما سجدت لأمر الله وما أمرها الله إلا عناية بها لما وقع منهم مما يوجب وهنهم ولكن لما لم يقصدوا بذلك إلا الخير اعتنى الله بهم في سرعة تركيب الدواء لهم بما علمهم آدم من الأسماء وبما أمروا به من السجود له وكل له مقام معلوم أمرت الملائكة بالسجود فامتثلت وبادرت فأثنى الله عليهم بقوله لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ونهى آدم فعصى فلما غوى أي خاف قال الشاعر ومن يغو لا يقدم على الغي لائما ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى (الجامع حضرة الجمع) إنما الجمع وجود ليس في الجمع افتراق إنما الفرق الذي فيه له بنا اتفاق فله في الحكم فينا من وجودنا اشتقاق ولنا عليه حكم قيده فيه انطلاق يدعى صاحبها عبد الجامع قال الله تعالى إن الله جامع الناس ليوم لا ريب فيه فهو في نفسه جامع علمه العالم علمه بنفسه فخرج العالم على صورته فلذلك قلنا إن الحق عين الوجود ومن هذه الحضرة جمع العالم كله على تسبيحه بحمده وعلى السجود له إلا كثير من الناس ممن حق عليه العذاب فسجد لله في صورة غير مشروعة فأخذ بذلك مع أنه ما سجد إلا لله في المعنى فافهم ومن هذه الحضرة ظهر جنس الأجناس وهو المعلوم ثم المذكور ثم الشئ فجنس الأجناس هو الجنس الأعم الذي لم يخرج عنه معلوم أصلا لا خلق ولا حق ولا ممكن ولا واجب ولا محال ثم انقسم الجنس الأعم إلى أنواع تلك الأنواع نوع لما فوقها وجنس لما تحتها من الأنواع إلى أن تنتهي إلى النوع الأخير الذي لا نوع بعده إلا بالصفات وهنا تظهر أعيان الأشخاص وكل ذلك جمع دون جمع من هذه الحضرة وأقل الجموع اثنان فصاعدا ولم يكن الأمر جمعا ما ظهر حكم كثرة الأسماء والصفات والنسب والإضافات والعدد وإن كانت الأحدية تصحب كل جمع فلا بد من الجمع في الأحد ولا بد من الأحد في الجمع فكل واحد بصاحبه وقال تعالى من هذه الحضرة وهو معكم أينما كنتم والمعية صحبة والصحبة جمع وقال ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك وهو الواحد ولا أكثر إلى ما لا يتناهى إلا وهو معهم فإن كان واحدا فهو الثاني له لأنه معه فظهر الجمع به فهو الجامع ثم ما زاد على واحد فهو مع ذلك المجموع من غير لفظه أي لا يقال هو ثالث ثلاثة وإنما يقال ثالث اثنين ورابع ثلاثة وخامس أربعة لأنه ليس من جنس ما أضيف إليه بوجه من الوجوه لأنه ليس كمثله شئ وهو السميع البصير ولما كانت هذه الحضرة لها الدوام في الجمعية ولا تعقل إلا جامعة وما لها أثر إلا الجمع وما تفرق إلا لتجمع وقد علمت إن الدليل
(٣٠٦)