وصفهم بأنهم الذي أتوا به فانظر ما أدق نظرهم في السبب الذي جعل في قلوبهم الوجل ثم تمموا الذكر كما علمهم الله أولئك إشارة إلى هؤلاء الذين يسارعون في الخيرات والإسراع لمن أتى هرولة فافهم فهم يسارعون في الخيرات بالحق وهم لها سابقون أي يسبقونها ويسبقون إليها فالخيرات ثلاثة خيرات يكون السباق والمسارعة فيها وخيرات يكون السباق بها وخيرات يكون السباق إليها وهي قوله سابقوا إلى مغفرة وسارعوا إلى مغفرة والسرعة في السباق لا بد منها لأن السباق يعطي ذلك وهو فوق السعي فإتيانهم بسرعة والزائد على السعي ما هو إلا هرولة وهي نعت إلهي وإذا انفرد الحق بنعت كان له فما يأخذه العبد إلا معار الكون الحق لا يشارك في شئ أضافه إلى نفسه وما لم يذكر بإضافة إلى الله فلك فيه التصرف إن شئت أضفته إلى الله تعالى وإن شئت أضفته إليك فإن تقدم لك إضافة ذلك إلى الله حرم عليك إن تضيفه بعد ذلك إلى نفسك فإن صورته في ذلك صورة ما أضافه الحق إلى نفسه فسواء كان ذلك منه ابتداء أو قال ذلك على لسان عبده فإن الله عند لسان كل قائل بما يقول كما هو قائم على كل نفس بما كسبت فأنت الكتاب المشار إليه في قوله ولدينا كتاب ينطق بالحق وأنت الناطق فإنه الفصل المقوم لك في حدك وما أحسن قوله وهم لا يظلمون حيث عرفنا بأننا الكتاب الذي ينطق بالحق وشرفنا بأنا لديه وما عند الله باق فلنا البقاء بما نحن لديه على هذه الصفة التي وصفنا الله بها من النطق بالحق فإنا بالله ننطق والله يقول على لسان عبده ما ينطقه به وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وهو القائل لا يكلف الله نفسا إلا وسعها وقد وسعت الحق الذي ضاق عنه الأرض والسماء وهو سبحانه لا يثقله شئ وإنما نعته بالتكليف لأنه على كل حال محل جلال للحق به ينطق ويسمع ويبصر ويسعى ويبطش فقبول الزائد تكليف والوسع في إعطاء كل شئ حقه فكن به حتى يكن * إن لم تكن فلا يكن فأنت خلاق له * وأنت مخلوق بكن إن الحديث لم يسع * إلا الحديث المستكن فما استكانوا للذي * قال استكينوا فاستكن فللإله ما سكن * وهو لنا نعم السكن فالحمد لله على ما أولى وله الحمد في الآخرة والأولى والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الثالث والعشرون وخمسمائة في معرفة حال قطب كان منزله وأما من خاف مقام ربه) مقام الرب ليس له أمان * يدل عليه ما يعطي العيان فخفه لأنه خطر وفيه * إذا ما خفته حالا أمان ونفسك فانهها عن كل أمر * يضيق لهو له منك الجنان فلا تعتب زمانا أنت فيه * فأنت هو المعاتب والزمان ولا تعمر مكانا لست فيه * فرب الدار ليس له مكان فأنت كهو فأنت له جليس * ومؤنسك التعطف والحنان وفيها الخلد والحور الحسان * لذاك يقال منزلنا الجنان اعلم أيدنا الله وإياك أن المقام الإلهي الرباني ما وصف به نفسه ولما علمه ص حين أعلمه لذلك استعاذ به منه فقال وأعوذ بك منك اعلم أن كل مقام سيد عند كل عبد ذي اعتقاد إنما هو بحسب ما ينشئه في اعتقاده في نفسه ولهذا قال الله مقام ربه فأضافه إليه وما أطلقه وما تجد قط هذا الاسم الرب إلا مضافا مقيد إلا يكون مطلقا في كتاب الله فإنه رب بالوضع والرب من حيث دلالته أعني هذا الاسم هو الذي يعطي في أصل وضعه أن يسع كل اعتقاد يعتقد فيه ويظهر بصورته في نفسه معتقده فإذا كان العارف عارفا حقيقة لم يتقيد بمعتقد دون معتقد ولا انتقد اعتقاد أحد في ربه دون أحد لوقوفه مع العين الجامعة للاعتقادات ثم إنه إذا وقف مع العين الجامعة
(١٦٥)