إذا استحال أن يكون حكم هذه الأداة بالوضع في هذا الموضع علمنا أنها بدل وعوض من أداة ما يستحقه ذلك الوضع وهذا معلوم في اللسان وبهذا اللسان أنزل القرآن كما قال ص إنما أنزل القرآن بلساني لسان عربي مبين وقال تعالى وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فلا بد أن يجري به على ما تواطئوا عليه في لحنهم فاعلم ذلك فتأمل فيما أوردناه في نظمنا هذا الذي أذكره فلا يدري اللطيف سوى لطيف * وعين اللطف في عين الكثافة فهذا عين هذا يا خليلي * فقف بين الكثافة واللطافة تحز قصب السباق بكل وجه * كما قد حازه أهل العيافة وكن عبد عبد اللطيف بكل وجه * تنل ما ناله أهل القيافة من إدخال السرور على رسول * نقي الثوب من أهل النظافة وهذه حضرة نلت منها في خلقي الحظ الوافر بحيث إني لم أجد أحدا فيمن رأيت وضع قدمه فيها حيث وضعت لا إن كان وما رأيته لكني أقول أو أكاد أقول إنه إن كان ثم فغايته أن يكون معي في درجتي فيها وأما أن يكون أتم فما أظن ولا أقطع على الله تعالى فإسراره لا تحد وعطاياه لا تعد وقد بينا في الأحوال من هذا الكتاب في باب اللطيفة ما يقتضيه هذا الاسم الإلهي في أهل الله وما يطلبه بالوضع في اللسان والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (حضرة الخبرة والاختبار وهي حضرة الابتلاء بالنعم والنقم) إن الخبير هو المبلى إذا نظرت * عيناك نعمة من يبلي بها البشرا وإن يكن نقمة منه حباك بها * إن السعيد الذي ما زال مفتقرا يدعى صاحبها عبد الخبير قال تعالى فاسئل به خبيرا وهو كل علم حصل بعد الابتلاء قال تعالى ولنبلونكم حتى تعلم وقال ونبلو أخباركم وقال ليبلوكم أيكم أحسن عملا بخلقه الموت والحياة وهذا لإقامة الحجة فإنه يعلم ما يكون قبل كونه لأنه علمه في ثبوته أزلا وأنه لا يقع في الكون إلا كما ثبت في العين وما كل أحد في العلم الإلهي له هذا الذوق فتعلق علم الخبرة تعلق خاص وأصل الابتلاء الدعوى كانت ممن كانت فمن لا دعوى له لا يبتلى وما ثم إلا من له دعوى والتكليف ابتلاء فأصله عن دعوى وقد عم من يدعي ومن لا يدعي أي من لا دعوى له عامة فلا يبالي من لا دعوى له فإنه يحشر مع من لا دعوى له أصلا وما هو ثم أعني في الوجود ولا تكليف عليه كالمغصوب على نفسه يجازى بنيته لا بما ظهر منه كالجيش الذي يخسف به بين مكة والمدينة وفيه من غصب على نفسه في المجئ فقالت عائشة في ذلك لرسول الله ص فقال يحشرون على نياتهم وإن عمهم الخسف كما قال واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة بل تعم المحق والظالم وتختلف أحوالهم في القيامة فيحشر المحق سعيد أو الظالم شقيا فحيث كانت الدعوى كان الاختبار ومن وصف نفسه بأمر توجه عليه الاختبار وقد قال الله تعالى يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم والايمان يقطع بصدق هذا القول ولكن لا يظهر حكمه مشاهدة عين إلا في المسرفين وهم المذنبون فكأنه قال لهم اعصوا حتى تعرفوا ذوقا صدق قولي في مغفرتي إذا كان أمير المؤمنين المأمون يقول لو علم الناس حبي في العفو لتقربوا إلي بالجرائم وهو مخلوق فما ظنك بالكريم المطلق الكرم فلا يختبر إلا بإتيان الذنوب وقد قال لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون ويتوبون فيغفر الله لهم وهذا القول من النبي ص في الحقيقة فيه تقديم وتأخير إلا أنه ستره ليبين فضل العالم بأصول الأمور على غير العالم فهو بقول لو لم تذنبوا الجاء الله بقوم مذنبون فيغفر لهم كما جاء في نص القرآن ثم يقول بعد قوله فيغفر لهم فيتوبون أي يرجعون إلى الله في قوله إنه يغفر الذنوب جميعا لأنه لا غافر إلا هو وأما إذا تاب قبل المغفرة فالحكم للتوبة لا للكرم الإلهي وإنما يكون الكرم عند ذلك كونه أعطاه التوبة والتوبة محاءة والقرآن ما ذكر توبة والرسول ص لا يخالف القرآن ولكن ثم قوم يغفر لهم من غير توبة وثم قوم يعطيهم الله التوبة فالتوبة قد جعلها الله تتضمن المغفرة فكأنها للتائب
(٢٣٩)