في الكمال وهو مما يحتاج إليه السائل في نيل غرضه فإنه من تمام خلق الغرض أن يوجد له متعلقة الذي يكون به كماله فإن تمامه تعلقه بمتعلق ما وقد وجد فإن أعطاه الله ما سأله بالغرض فقد أعطاه ما يحتاج إليه الغرض وذلك هو السخاء فإن السخاء عطاء على قدر الحاجة وقد يعطيه الله ابتداء من غير سؤال نطق لكن وجود الأهلية في المعطي إياه سؤال بالحال كما تقول إن كل إنسان مستعد لقبول استعداد ما يكون به نبيا ورسولا وخليفة ووليا ومؤمنا لكنه سوقة وعدو وكافر وهذه كلها مراتب يكون فيها كمال العبد ونقصه قال ص كمل من الرجال كثيرون ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وكل شخص ما عدا هؤلاء مستعد بإنسانيته لقبول ما يكون له به هذا الكمال فبالأهلية هو محتاج إليه وللحرمان وجد السؤال بالحال فحضرة السخاء فيها روائح من حضرة الحكمة فإن الله عز وجل ما منع إلا لحكمة ولا أعطى إلا لحكمة وهو الحكيم العليم في المنع والعطاء والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الطيب حضرة الطيب) طابت بطيب الطيب الأشياء * ولذا له الأوصاف والأسماء أسماؤه الحسنى التي قد عينت * ما عندها سوء ولا أسواء ما طيب الطيب إلا كون خالقنا * سميته طيبا وفيه إجمال من ذاقه ذاق طعم الشهد فيه كما * من لم يذق ما له علم ولا حال إن قال ما هو هذا العلم قلت له * إن الشيوخ بهذا القول قد قالوا ولا ترد الذي قالوه إن له * وجها صحيحا إليه القوم قد مالوا ما طيب الذكر إلا طيب نشأتنا * في صورة الحق والأعمال أموال يدعى صاحبها عبد الطيب فالطيب من يميز الخبيث من الطيب فيجعل الطيبين للطيبات والطيبات للطيبين من كونه طيبا ويجعل الخبيثين للخبيثات والخبيثات للخبيثين من كونه حكيما فإنه هو الجاعل للأشياء والمميز بين الأشياء والأحكام فيجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم فلا تزال أمه هاوية دائما وعليون للطيبين فلا يزال يعلو دائما وكل عال وكل هاو إنما يطلب ربه فالهاوي عارف بربه في جهة خاصة تلقا من الرسول لما سمعه يقول لو دليتم بحبل لهبط على الله وهنا سر لو بحثت عليه ظفرت به فاقتضى مزاج الخبيث واستعداده أنه لا يطلب ربه إلا من هذه الجهة وهو الخبيث وجهنم البعيدة القعر فهو يهوى فيها يطلب ما ذكرناه والطيب الصاعد عارف بربه في جهة خاصة تلقاها من الرسول لما سمعه يقول عن الله سبح اسم ربك الأعلى فاقتضى مزاج الطيب واستعداده أنه لا يطلب ربه إلا من هذه الجهة وهو الطيب والعلو لا نهاية له إلا الله كما الهوى لا نهاية له إلا الله والذي لا يتقيد بصفة كأبي يزيد يطلبه في الإحاطة بجميع الجهات الست لأنه بكل شئ محيط فيطلبه في العلو والهوى واليمين والشمال والخلف والأمام وكل هذا الجهات فهي عين الإنسان ما ظهرت إلا به وفيه فهو الذي حد ربه بالإحاطة فأكمل الأناسي من لم يحكم عليه جهة دون جهة ودونه من حكمت عليه جهة خاصة فالكامل له الظهور في كل صورة وغير الكامل هو بما تقيد به بها فقوله لا صفة له يعني لا تقييد له بأمر خاص بل له العموم بالظهور فإنه ما يمكن أن يخلو معلوم عن حد في نفسه وأعلى الحدود الإطلاق وهو تقييد فإنه قد تميز بإطلاقه عن المقيد كما تميز مقيد عن مقيد فالخلق وإن كان له السريان في الحق فهو محدود بالسريان والحق وإن كان له السريان في الخلق فهو محدود بالسريان وهذا كان مذهب أبي مدين رحمه الله وكان ينبه على هذا المقام بقوله الأمي العامي سر الحياة سرى في الموجودات كلها فتجمدت به الجمادات ونبتت به النباتات وحييت به الحيوانات فكل نطق في تسبيحه بحمده لسر سريان الحياة فيه فهو وإن كان رحمه الله ناقص العبارة لكونه لم يعط فتوح العبارة فإنه قارب الأمر ففهم عنه مقصوده وإن كان ما وفاه ما يستحقه المقام من الترجمة عنه فهذا معنى الطيب وإنه من أسماء التقييد والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (المحسان حضرة الإحسان)
(٢٦٤)