ما قد لي عضو ولا مفصل * إلا وفيه لكم ذكر بخلاف الآلام النفسية إذا وردت الأمور التي من شأنها أن تتألم النفوس عند ورودها فقد يتلقاها بعض عباد الله ولا أثر لها فيه على ظاهره والأمور المؤلمة حسا إذا أحس بها نحرك لها طبعا إلا أن شغله عنها أمر يزيل إحساسه بها وإنما كلامنا في ذلك مع الإحساس كأيوب وذي النون سلام الله عليهما وأما إلى من ليس بيده من الأمر شئ كالمعتاد في العموم وتلك حالة أكثر العالم عباد الأسباب وبها يتستر الأكابر من عباد الله عن أن يشار إليهم واصبر لحكم ربك المأمور به فذلك هو الثبوت مع الله عند نفوذ الحكم الإلهي فيه أي حكم كان من بلاء أو عافية فإن الفرح بنيل الغرض يزيل صاحبه عن الثبوت أكثر من زوال صاحب البلاء فإن حركة الفرح تدهش وتكثر اضطراب صاحبه إلا أن يكون له قوة حال أكثر من وارد الفرح وأما الهم والغم فإنه أقرب إلى الثبوت والسكون لمن حكم عليه به من فرح الواصل إلى غرضه فهو ذكر يعم الخير والشر معا وهما حالان والأحوال هي الحاكمة أبدا والمحكوم عليه لا بد أن يكون تحت قهر الحاكم لنفوذ حكمه فيه وهو الذي جعله يضطرب لأن مطلوب الإنسان بالطبع الخروج من الضيق إلى الانفساح والسعة والضياء المشرق لما يراه من ظلمة الطبع وضيقه فلا يصبر فقيل له أثبت للحكم فإنك لا تخلو عن نفوذ حكم فيك إما بما يسوءك أو بما يسرك فإن ساءك فتحرك إلينا في رفعه عنك وإن سرك فتحرك إلينا في إبقائه عليك والشكر على ذلك فنزيدك ما يتضاعف به سرورك ولا يضعف فأنت رابح على كل حال وما أمرناك بالصبر إلا ليكون الصبر عبادة واجبة فتجازي جزاء من أدى الواجب فتكون عبدا مضطرا مثنيا عليك بالصبر والرضاء ولو تركناك على التخيير وصبرت لكنت عبدا مختارا أي ذا اختيار ولم تذق طعما لسيادتنا عليك فإن المختار يولينا على نفسه إذا شاء ويعزلنا إذا شاء ويخجلنا إذا شاء ولا يخجلنا إذا شاء فنحن في الاختيار بحكمه وفي الاضطرار حاكمون عليه فانظر إلى رحمة الله بك حيث أمرك بالصبر لحكم ربك ثم زاد فإنك بأعيننا أحق ما حكمنا عليك إلا بما هو الأصلح لك عندنا سواء سرك أم ساءك هذا قصده بقوله فإنك بأعيننا أي ما أنت بحيث تجهله أو ننساه فكن أي عبد شئت بعد هذا فأنت لما قصدت والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب السادس وخمسمائة في معرفة حال قطب كان منزله ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون) أن لله في الخلائق مكرا * وهو عنهم مغيب ليس يدري وهو منهم وليس يدريه إلا * من أقام الصلاة شفعا ووترا بمناجاة ذلة وخضوع * تتوالى عليه فيها وتترى وشهود ترى الحقائق فيه * طالعات عليه شمسا وبدرا ووجود ترى الكوائن فيه * يهب العلم منه سرا وجهرا قال الله عز جلاله سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وقال ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون فإذا شعر بالمكر زال كونه مكرا إلا في حال واحد وذلك إذا شعر بمكر الله في أمر أقامه فيه وأقام عليه وأقامته عليه بعد العلم أنه من مكر الله مكر من الله مثل قوله وأضله الله على علم وبهذا القدر يفارق علم الغيب فإن عالم الغيب إذا علمه لم يكن غيبا عنده فزال عنه في حقه اسم الغيب ولم يزل عن هذا الذي أقام على الأمر الذي كان لا يشعر به أنه مكر من الله اسم المكر به في إقامته على ذلك الأمر في حقه وإلا فالمسألة على السواء لولا هذا الفارق الدقيق ومن المكر الإلهي ما يقصد به ضررا لعبد ومنه ما لا يقصد به ضررا لعبد وإنما يكون لحكمة أخرى يكون فيها سعادة العبد فإنه لولا المكر الخفي لما صح تكليف ولا طلب جزاء فإنه من مكر الله المحمود في الممكور به تكليف الله إياه بالأعمال والسمع والطاعة له فيما كلفه به والأمر يعطي في نفسه أن الأعمال خلق لله في العبد وأن الله لا يكلف نفسه وليس العامل إلا هو وهذا قد شعر به بعض الناس وأقاموا على العمل وثابروا عليه أعني عمل الخيرات ومن مكر الله قسمه لصلاة
(١٤٤)