يتفكرون به ثم جعل من معارجهم نفي المثلية عنه من جميع الوجوه ثم تشبه لهم بهم فأثبت عين ما نفى ثم نصب لهم الدلالة على صدق خبره إذا أخبرهم فتفاضلت أفهامهم لتفاضل حقائقهم في نشأتهم فكل طائفة سلكت فيه مسالك ما خرجت فيها عما هي عليه فلم يجدوا في انتهاء طلبهم إياه غير نفوسهم فمنهم من قال بأنه هو ومنهم من قال بالعجز عن ذلك وقال لم يكن المطلوب منا إلا أن نعلم أنه لا يعلم فهذا معنى العجز ومنهم من قال يعلم من وجه ويعجز عن العلم به من وجه ومنهم من قال كل طائفة مصيبة فيما ذهبت إليه وأنه الحق سواء سعد أو شقي فإن السعادة والشقاء من جملة النسب المضافة إلى الخلق كما نعلم أن الحق والصدق نسبتان محمودتان ومع هذا فلها مواطن تذم فيه شرعا وعقلا فما ثم شئ لنفسه وما ثم شئ إلا لنفسه وبالجملة فالخلق كله مرتبط بالله ارتباط ممكن بواجب سواء عدم أو وجد وسعد أو شقي والحق من حيث أسماؤه مرتبط بالخلق فإن الأسماء الإلهية تطلب العالم طلبا ذاتيا فما في الوجود خروج عن التقييد من الطرفين فكما نحن به وله فهو بنا ولنا وإلا فليس لنا برب ولا خالق وهو ربنا وخالقنا فبنا لكونه به ولنا لكونه له إلا أن له الإمداد فينا الوجودي ولنا فيه الإمداد العلمي فتكليفه إيانا تكليف له فبنا تكلف للتكليف فما كلفنا سوانا ولكن به لا بنا فتداخلت المراتب فهو الرفيع الدرجات مع النزول الذاتي والخلق في النزول مع العروج والصعود الذاتي فما خرج موجود عن تأثير وجودي وعدمي ولا مؤثر في الحقيقة إلا النسب وهي أمور عدمية عليها روائح وجودية فالعدم لا يؤثر من غير أن تشم منه روائح الوجود والوجود لا أثر له إلا بنسبة عدمية فإذا ارتبط النقيضان وهما الوجود والعدم فارتباط الموجدين أقرب فما ثم إلا ارتباط والتفاف كما نبه تعالى والتفت الساق بالساق أي التف أمرنا بأمره وانعقد فلا ننحل عن عقده أبدا ولما تمم وهو الصادق بقوله إلى ربك أثبت وجود رتبته بك يومئذ يعني يوم يكشف عن الساق المساق رجوع الكل إليه من سعد أو من شقي أو من تعب أو من استراح قال ص في الدجال إن جنته نار وناره جنة فأثبت الأمرين ولم يزلهما فالجنة جنة ثابتة والنار نار ثابتة والصور الظاهرة لرأي العين قد تكون مطابقة لما هو الأمر عليه في نفسه وقد لا تكون وعلى كل حال فهما أمران لا بد منهما خيالا كان أو غير خيال وإذا ارتبط الأمران كما قلنا هذا الارتباط فلا بد من جامع بينهما وهو الرابط وليس إلا ما تقتضيه ذات كل واحد منهما لا يحتاج إلى أمر وجودي زائد فارتبطا لا نفسهما لأنه ما ثم إلا خلق وحق فلا بد أن يكون الرابط أحدهما أو كلاهما ومن المحال أن ينفرد واحد منهما بهذا الحكم دون الآخر لأنه لا بد أن يكونا عليه من قبول هذا الارتباط فبهما يظهر لا بواحد منهما ومع هذا الارتباط فما هما مثلان بل كل واحد منهما ليس مثله شئ فلا بد أن يتميزا بأمر آخر ليس في واحد منهما أمر الآخر به يشار إلى كل واحد منهما فالافتقار موجب للميل وقبول الحركة والغناء ليس حكمه ذلك في الغني فإنا نعلم أن بين المغناطيس والحديد مناسبة وارتباط لا بد منه كارتباط الخلق والخالق ولكن إذا مسكنا المغناطيس جذب الحديد إليه فعلمنا إن في المغناطيس الجذب وفي الحديد القبول ولهذا انفعل بالحركة إليه وإذا مسكنا الحديد لم ينجذب إليه المغناطيس فهما وإن ارتبطا فقد افترقا وتميزا فالناس بل العالم فقراء إلى الله والله غني عن العالمين هكذا صورة الوجود فلا تلتفت إلى سواه فبه كان شفعنا وهو الواحد الإله والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الثاني والخمسون وأربعمائة في معرفة منازلة كلامي كله موعظة لعبيدي لو اتعظوا) مهما وعظت فعظ بعين كلامي * فهو الموفي حق كل مقام جمع العلوم قديمها وحديثها * معناه إلا أنه بفدام وفدامه ألفاظنا وحروفنا * الجامعات لعين كل كلام فنقول قال الله بالحرف الذي * قال الأنام به بغير ملام فترده أحلامنا بدليلها * والكشف يأبى ما ترى أحلامي والحكم للامرين عند من ارتقى * بمعارج الأرواح والأجسام
(٦٦)