في صورة ممكن ولهذا تأدبنا في قولنا إن الله لا ينبغي أن يقال إنه يجوز أن يفعل كذا ويجوز أن لا يفعله ونقول يجوز أن يكون هذا الممكن ويجوز أن لا يكون كما أنه إذا ظهر الاضطرار من العبد إنما يظهر ذلك منه بصورة حق لا بنفسه لأنه لا يكون عبدا إلا بقيامه بمراسم سيده وهو مسلوب الفعل بالأصالة فلا بد أن تظهر بصورة حق إذا ظهر بعبوديته التي هي العمل بما كلف فعله ولذلك لم يقل الحق إنه هوية الشئ وإنما قال إنه هوية العبد فعلمنا إن حكم العبد ما هو حكم الشئ فحكم النفل أحق بالعبد لولا ما فيه من روائح الربوبية وحكم الفرض أحق بالرب لولا ما فيه من روائح العبودية فليجعل حكم كل واحد في الموطن الذي جعله الله فيكون الله هو الجاعل لا نحن فنخلص ونسلم من الاعتراض علينا عند السؤال من الله إيانا ثم إن الله تعالى جعل في محبة الجزاء وهي محبة الكرامة غفر الذنوب وهو سترها وختم الآية بأنه لا يحب الكافرين والكافر الساتر وهو تعالى ساتر الذنوب فعلمنا أنه لا يحب من عباده من يستر نعمه كانت النعم ما كانت فإنه قال وأما بنعمة ربك فحدث وما تحدث به لم يستر وقال التحدث بالنعم شكر وإذا أنعم الله على عبد نعمة أحب أن ترى عليه ونعمه التي أسبغها على عباده ظاهرة وباطنة ومن ستر نعمة الله فقد كفر بها ومن كفر بها أذاقه الله لباس الجوع والخوف بصنيعة ذلك ولهذا قيد الله ستره بالذنوب وهي البقايا التي أبقاها الله لعباده ليتعلموا الأدب مع الله فينسبون الطاعة والخير لله ويجعلونه بيد الله وينسبون الذنب والمعصية لنفوسهم فلهذا قلنا أبقاها الله فهذا نصيبهم مما هو لله فإنه كل من عند الله لكن هؤلاء المحجوبون لا يكادون يفقهون حديثا بل يقولون كل ذلك لله في غير الموطن الذي جعله الله لهذا القول وذلك لجهلهم بالمواطن وهذا القدر كاف فإن المجال فيه واسع لا تساع ميدانه لكون العالم ما أوجده الله إلا عن الحب والحب يستصحب جميع المقامات والأحوال فهو سار في الأمور كلها فلذلك يتفصل الأمر فيه إلى غير نهاية وأصل الحب النسب وهي الروابط ومع الروابط لا يثبت توحيد أصلا ولهذا قال بعضهم من وحد فقد أشرك كما يقول من قال بالجمع فقد فرق بلا شك والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الثاني والسبعون وأربعمائة في حال قطب كان منزله الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب) من يستمع قول من تعنو الوجوه له * يفز بحسن الذي يأتيه في كلمه وهو الحكيم فمن في الكون حكمته * وأنت في كونه فأنت من حكمه فمنك تسمع إن حققت ما سمعت * أذناك من قوله في رتبتي قدمه العرش يفرد ما الكرسي يقسمه * من الخطاب لما في القول من قدمه إن الحدوث له وجه لمحدثه * وآخر ناظر منه إلى عدمه قال الله جل جلاله ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث وقال تعالى ما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث اعلم أن هذا تنبيه من الحق على إن كل كلام في العالم كلامه لأنه ما أتى من الله إلينا إلا كل ذكر محدث لأن الإتيان يحدث بلا شك في الآتي وما أتى إلا من قام به الحادث وليس إلا الصورة التي يتجلى فيها في أعين الناظرين ويتخلى عنها في أعين الناظرين فما ثم إلا سامع ومتكلم وقائل ومقول له ومقول به ومقول وكله حسن إلا أنه بين حسن وأحسن فكل كلام حسن وما وافق الغرض من القول فهو أحسن فالقول كله حسن وأما قوله لا يحب الله الجهر بالسوء من القول فنفى المحبة أن يكون متعلقها الجهر بالسوء من القول والسوء من القول أن يقول في القول إنه سوء ولا قائل به إلا الله والجهر بالسوء قد يكون قولا وقد يكون في الأفعال التي لا تكون قولا فيريد بالجهر فيها ظهور الفحشاء من العبد كما قال ص من بلي منكم بهذه القاذورات فليستتر يعني لا يجهر بها والسوء على نوعين سوء شرعي وسوء ما يسؤك وإن حمده الشرع ولم يدمه فقد يكون هذا السوء من كونه يسوءك لا إن السوء فيه حكم الله كما قال تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها فالسيئة الأولى شرعية لأنه تعدى والسيئة الأخرى ما يسوء المجازي عليها وليس الجزاء بسيئة مشروعة لأن الله لا يشرع السوء ولما وقع الاصطلاح في اللسان على السيئ والحسن نزل الشرع من عند الله بحسب التواطئ فهم سموه سوء
(١٠٤)