خاصة دون سائر الكتب والصحف المنزلة وما خلق الله من أمة من أمم نبي ورسول من هذه الحضرة إلا هذه الأمة المحمدية وهي خير أمة أخرجت للناس ولهذا أنزل الله في القرآن في حق هذه الأمة لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا فنأتي يوم القيامة يقدمنا القرآن ونحن نقدم سائر أهل الموقف ويقدم القراء منا من ليس له من القرآن مثله فأكثرنا قرآنا أسبقنا في التقدم والرقي في المعراج المظهر للفضل بين الناس يوم القيامة فإن للقراء منابر لكل منبر درج على عدد آي القرآن يصعد الناس فيه بقدر ما حفظوا منه في صدورهم ولهم منابر أخر لها درج على عدد آي القرآن يرقى فيها العاملون بما حققوه من القرآن فمن عمل بمقتضى كل آية بقدر ما تعطيه في أي شئ نزلت رقى إليها عملا وما من آية إلا ولها عمل في كل شخص لمن تدبر القرآن وفي القيامة منابر على عدد كلمات القرآن ومنابر على عدد حروفه يرقون فيها العلماء بالله العاملون بما أعطاهم الله من العلم بذلك فيظهرون على معارج حروف القرآن وكلماته بسور تلك الحروف والكلمات والآيات والسور والحروف الصغار منه وبه يتميزون على أهل الموقف في هذه الأمة لأن أناجيلهم في صدورهم فيا فرحة القرآن بهؤلاء فإنهم محل تجليه وظهوره فإذا تلا الحق على أهل السعادة من الخلق سورة طه تلاها عليها كلاما وتجلى لهم فيها عند تلاوته صورة فيشهدون ويسمعون فكل شخص حفظها من الأمة يتحلى بها هنالك كما تحلى بها في الدنيا بالحاء المهملة فإذا ظهروا بها في وقت تجلى الحق بها وتلاوته إياها تشابهت الصور فلم يعرف المتلو عليهم الحق من الخلق إلا بالتلاوة فإنهم صامتون منصتون لتلاوته ولا يكون في الصف الأول بين يدي الحق في مجلس التلاوة إلا هؤلاء الذين أشبهوه في الصورة القرآنية الطاهية ولا يتميزون عنه إلا بالإنصات خاصة فلا يمر على أهل النظر ساعة أعظم في اللذة منها فمن استظهر القرآن هنا بجميع رواياته حفظا وعلما وعملا فقد فاز بما أنزل الله له القرآن وصحت له الإمامة وكان على الصورة الإلهية الجامعة فمن استعمله القرآن هنا استعمل القرآن هناك ومن تركه هنا تركه هناك وكذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى وورد في الخبر فيمن حفظ آية ثم نسيها عذبه الله يوم القيامة عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين وما أحسن ما نبه النبي ص على منزلة القرآن بقوله لا يقول أحدكم نسيت آية كذا وكذا بل نسيتها فلم يجعل لتارك القرآن أثرا في النسيان احتراما لمقام القرآن وقالت عائشة في خلق النبي ص كان خلقه القرآن وليس إلا ما ذكرناه من الاتصاف به والتحلي على حد ما ذكرناه والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (حضرة العزة وهي الاسم العزيز) ألا إن العزيز هو المنيع * له ستر الورى فهو الرفيع يعز وجوده فيعز ذاتا * ولولا الخلق ما ظهر البديع فقل للمنكرين صحيح قولي * حمى الرحمن ذلكم المنيع الداخل فيها يدعى في الملأ الأعلى عبد العزيز لم أذق في كل ما دخلته من الحضرات ذوقا ألذ منه ولا أوقع في القلب لهذه الحضرة المنع فلها الحدود لا بل لها من الحدود ما يقع به التمييز فيقف كل محدود لا بل كل شئ على عزته فيكون كل شئ عزيزا وعبوديته فيه فهو عبد نفسه فمن هنا ظهر كل من غلبت عليه نفسه واتبع هواها ولولا الشرع ما ذمه بالنسبة إلى طريق خاص لما ذمه أهل الله فإن الحقائق لا تعطي إلا هذا فمن اتبع الحق فما اتبعه إلا بهوى نفسه وأعني بالهوى هنا الإرادة فلولا حكمها عليه في ذلك ما اتبع الحق وهكذا حكم من اتبع غير الحق وأعني بالحق هنا ما أمر الشارع باتباعه وغير الحق ما نهى الشرع عن اتباعه وإن كان في نفس الأمر كل حق لكن الشارع أمر ونهى كما أنا لا نشك أن الغيبة حق ولكن نهانا الشرع عنها ولنا وحق الهوى إن الهوى سبب الهوى * ولولا الهوى في القلب ما عبد الهوى فبالهوى يجتنب الهوى وبالهوى يعبد الهوى ولكن الشارع جعل اسم الهوى خاصا بما ذم وقوعه من العبد والوقوف عند الشرع أولى ولهذا بينا قصدنا بالهوى الإرادة لا غير فالأمر يقضي أن لا حاكم على الشئ إلا نفسه فيما يكون منه لا فيما
(٢٠٦)