كانت لعين الحق عن انكسار من العبد وذلة فلما وصف الحق نفسه بأنه يكرم عباده بنزوله إليهم حصل في نفس المخلوق إن الله ما اعتنى به هذه العناية إلا وللمخلوق في نفس هذا العظيم ذي الجلال تعظيم فرأى نفسه معظما فلذلك زاد في تعظيم الحق في نفسه إيثارا لجنابه لاعتناء الحق به على عظمته فزاد الحق بالكرم تعظيما في نفس هذا العبد أعظم من العظمة الأولى هذا إذا أخذ الجلال وحمله على العظمة فإن أخذه السامع وحمله على نقيض العظمة فإنه يحصل أيضا في نفسه القنوط لأنه حقير وقد استند إلى مثله فمن أين يأتيه من تكون له منه رفعة والذي استند إليه جليل فيقول له لسان الصفة ومع هذا فإنه ذو إكرام والدليل على أنه ذو إكرام امتنانه عليك بوجودك ولم تكن شيئا موجودا ولا مذكورا فلولا كرمه لبقيت في العدم فكرامته بك في إعطائه الوجود إياك أعز من كرامته بك بعد وجودك بما يمنحك به من نيل أغراضك فيتنبه هذا الناظر في هذا الاسم وحمله على نقيض العظمة ويقول صحيح ما قال من أكرمني بالوجود الخير وحال بيني وبين الشر المحض وهو العدم لا بد أن يكون قادرا على إيجاد ما يسرني ودعه يكون في نفسه ما كان إنما الغرض أن يكون له الاقتدار على تكوين ما أريده منه وما جعل عنده هذا إلا قوله والإكرام وانظر إلى قول النبي ص وما أعجبه في نهيه أن يقال عن العنب الكرم وغيرته ص على هذا الاسم ثم قال فإن الكرم قلب المؤمن فإن قلبت المؤمن وجدت الحق في قلبك إياه فإن الله يقول وسعني قلب عبدي المؤمن والحق باطن المؤمن وهو قلب الظاهر والحق هنا هو الكريم لأن القلب هو الكرم فهو محل الكرم وجاء بالاسم الكريم على هذه البنية لكونها تقتضي الفاعل والمفعول فهو تعالى كريم بما وهب وأعطى وجاد وامتن به من جزيل الهبات والمنح وهو مكرم ومتكرم عليه بما طلب من القرض فأقرض العبد ربه عن أمره وبما عبده خلقه لأنه ما خلقهم إلا ليعبدوه وجعل لهم الاختيار فلما جعل لهم الاختيار ربما أداهم ذلك إلى البعد عما خلقوا له من العبادة ولما علم الحق ذلك ظهر في صورة كل شئ وأخبر عباده بذلك فقال فأينما تولوا فثم وجه الله ولا بد لكل مخلوق من التولي إلى أمر ما وقال الحق تعالى في ذلك الذي توليت إليه وجهي وما أعلمهم بذلك إلا ليتصفوا بصفة الكرم على الله بتوليهم لأنهم لو لم يعلموا ذلك بإعلامه مع وجود الاختيار الذي يعطي التفرق في الأشياء لتخيلوا أنهم قد خرجوا عن حكم ما خلقوا له من التكرم على ربهم بعبادتهم إياه فربما كانوا يجدون في نفوسهم من ذلك حرجا حيث خالفوا ما خلقوا له مع كرمه بهم بإيجادهم فأزال الله عنهم ذلك الحرج كرما منه واعتناء بهم بقوله فأينما تولوا فثم وجه الله فانطلقوا في اختيارهم إذا علموا أنهم حيث تولوا ما ثم إلا وجه الله فوقفوا على علم ما خلقوا له وقد كان قبل هذا يتخيلون أنهم يتبعون أهواءهم والآن قد علموا إن أهواءهم فيها وجه الحق ولهذا جاء بالاسم الله لأنه الجامع لكل اسم فقال فأينما تولوا فثم وجه الله وذلك الأين يعين بحقيقته اسما خاصا من أسماء الله فلله الإحاطة بالأينيات بأحكام مختلفة لأسماء إلهية مختلفة تجمعها عين واحدة فمن كرمه قبول كرم عباده فقبل عطاياهم قرضا وصدقة فوصف نفسه بالجوع والظماء والمرض ليتكرم عليه في صورة ذلك الكون الذي الحق وجهه بالعيادة والإطعام والسقي والكرم على الحاجة أعظم وقوعا في نفس المتكرم عليه من الكرم على غير حاجة لأنه مع الحاجة ينظره إحسانا مجردا يثمر له الشكر ولا بد والشكر يثمر الزيادة من العطاء والكرم على غير الحاجة من المتكرم عليه يظهر له الحال الذي هو عليه وجوها من التأويل قد يخرجه من نظره إنه أحسن إليه فربما يتخيل فيه أمرا يرد به فلهذا أنزل الحق إلى عباده في طلب الكرم منهم إلى الظهور بصفة الحاجة ليعلمهم أنه ما ينظر في أعطياتهم إلا الإحسان مجردا فهي بشرى من الله جاءت منه إلى عباده من قوله لهم البشرى في الحياة الدنيا وهذه منها فهذا اسم الكريم من حضرة الكرم فبكرمه تكرمت عليه كما قررنا والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (حضرة المراقبة) إن الرقيب لزيم حيثما كان * لذاك يحفظ أعيانا وأكوانا وقتا يكون على ذات مصرفة * عن أمره كان ذاك الأمر ما كانا
(٢٥٣)