صاحب علم فإن الرحمة تتقدم بين يدي العلم تطلب العبد ثم يتبعها العلم هذا هو علم الطريق الذي درج عليه أهل الله وخاصته وهو قوله آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما وهذا هو علم الذوق لا علم النظر واعلم أن العارفين هم الموحدون والعلماء وإن كانوا موحدين فمن حيث هم عارفون إلا أن لهم علم النسب فهم يعلمون علم أحدية الكثرة وأحدية التمييز وليس هذا لغيرهم وبتوحيد العلماء وحد الله نفسه إذ عرف خلقه بذلك ولما أراد الله سبحانه أن يصف نفسه لنا بما وصف به العارفين من حيث هم عارفون جاء بالعلم والمراد به المعرفة حتى لا يكون لا طلاق المعرفة عليه تعالى حكم في الظاهر فقال لا تعلمونهم الله يعلمهم فالعلم هنا بمعنى المعرفة لا غير فالعارف لا يرى إلا حقا وخلقا والعالم يرى حقا وخلقا في خلق فيرى ثلاثة لأن الله وتر يحب الوتر فهو مع الله على ما يحبه الله مع الكثرة كما ورد أن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحد فإن الله وتر يحب الوتر فما تسمى إلا بالواحد الكثير لا بالواحد الأحد وإنما قلنا في العارف إنه رباني فإن الله لما ذكر من وصفه بأنه عرف قال عنه إنه يقول في دعائه ربنا لم يقل غير ذلك من الأسماء وقال رسول الله ص فيه مثل ذلك من عرف نفسه عرف ربه وما قال علم ولا قال إلهه فلزمنا الأدب مع الله تعالى ومع رسوله ص فأنزلنا كل أحد منزلته من الأسماء والصفات ومن أراد تحقيق الفرق بين المعرفة والعلم فعليه بمطالعة ما ذكرناه في مواقع النجوم لنا فإني شفيت في ذلك الغليل والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الثاني والأربعون وأربعمائة في معرفة منازلة من رآني وعرف أنه رآني فما رآني) من رآني وقال يوما رآني * ما يراني غير الذي ما يراني إن لله نظرة في وجودي * وبها ربنا العلي هداني يذهب العلم إن نظرت إليه * بجنان بفكره أو عيان فدليلي ينفي الثبوت ويمضي * في سلوب يعطيكها في بيان وعيون تعلقت بمثال * في كشوف يكون أو في جنان هو لا مدرك بعين وعقل * والذي تدرك الجفون كياني قال الله تعالى إن موسى قال رب أرني أنظر إليك قال له ربه لن تراني لأنه قال انظر بالهمزة فلو قال بالنون أو بالياء والتاء ربما لم يكن الجواب لن تراني والله أعلم والسؤال مجمل في قوله انظر والجواب مجمل في قوله لن تراني اعلم أن رؤية المرئي تعطي العلم به ويعلم الرائي أنه رأى أمرا ما وقد أحاط علما بما رآه ورأينا الذي يرى الحق لا تنضبط له رؤيته إياه وما لا ينضبط لا يقال فيه إن الذي رآه عرف أنه رآه إذ لو رآه لعلمه وقد علم بتنوع الصور عليه في ترداد رؤيته مع أحدية العين في نفس الأمر فما رآه حقيقة فلا يعلم الحق إلا من يعلم أنه ما رآه قال رب أرني أنظر إليك بعيني فإن الرؤية بأداة إلى رؤية العين قال له لن تراني بعينك لأن المقصود من الرؤية حصول العلم بالمرئي ولا تزال ترى في كل رؤية خلاف ما تراه في الرؤية التي تقدمت فلا يحصل لك علم برؤية أصلا في المرئي فقال له لن تراني فإني لا أقبل من حيث أنا التنوع وأنت ما ترى إلا متنوعا وأنت ما تنوعت فما رأيتني ولا رأيت نفسك وقد رأيت فلا بد أن تقول رأيت الحق وأنت ما رأيتني فلم تصدق أو تقول رأيت نفسي وما رأيت نفسك فلم تصدق وما ثم إلا أنت والحق ولا واحد من هذين رأيت وأنت تعلم أنك رأيت فما هذا الذي رأيت فلن تراني بعينك فهل إذا كان الحق بصرك هل يمكن أن تصدق في أنك رأيته إذا رأيت أو الحال واحدة في بصره إذا كان في مادة عينك أو بصرك وهذا مشهد من مشاهد الحيرة في الله تعالى ولا تتعجب من طلب موسى ع رؤية ربه فإنه ثم مقام يقتضي طلب الرؤية والإنسان بحكم الوقت فإن الوقت حكمه مطلق حقا وخلقا وهذا القدر كاف في هذه المنازلة فإن مجالها لا يتسع لا كثر من هذه العبارة والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الثالث والأربعون وأربعمائة في معرفة منازلة واجب الكشوف العرفاني) إن المعارف تعطي واحدا أبدا * فواجب الكشف عرفان بآحاد
(٥٥)