وينزلنك عند الحق منزلة * ما نالها أحد قدوا وتعظيما ويمنحنك علما لست تعرفه * به وترزق آدابا وتعليما اعلم أيدنا الله وإياك بروح منه أن الحق لا يقاوم إلا بالحق فيكون هو الذي يقاوم نفسه وهو معنى قوله ص وأعوذ بك منك فإذا اتصف العبد بصفة الجبروت والكبرياء قصمه الحق فإنه تعالى لا يقهر إلا المنازع ولهذا العارف لا يتجلى له الحق في الاسم القاهر أبدا لأنه غير منازع فالعارف يتجلى بالاسم القاهر ولا يتجلى له الحق فيه وهذه الصفة في المخلوقين لا تكون قط عن حقيقة بل يعلمون عجزهم وقصورهم وإنما ذلك صورة ظاهرة كبرق الخلب فعلى قدر ما يظهر من هذه الصفة يتوجه القهر الإلهي والبطش الشديد ولما اختلف المحل على الصفة لذلك ظهر الأقوى على الأضعف فما وقع التفاضل إلا في المحل لا في الصفة فإذا صدع بأمر الله فالقهر بأمر الله لا له فنفذ في المصدوع لأنه ما قال له اصدع إلا ولا بد أن يكون ذلك قابلا للنفوذ فيه حتى يسمى مصدوعا فلو كان لا يقبل النفوذ لكان هذا الأمر عبثا إلا ترى إلى قوله تعالى وأعرض عن المشركين فإنه لا ينفذ في المشرك إذ لو نفذ لوحد فقال له وأعرض لأنهم ليسوا بمحل فيأمر الرسول المشرك من غير صدع والذي علم منه أنه يجيب ويقبل الأمر ولو على كره هو الذي يصدع بالأمر فإذا تحقق العبد بهذا الذكر ولم ينكشف له من يقبل أمر ربه ممن لا يقبله فما هو في بعض الوجوه ممن دعا إلى الله على بصيرة فإن الداعي على بصيرة لا بد أن يكون آمرا في حق طائفة وصادعا بالأمر في حق طائفة فيعلم من يتأثر لأمره ممن لا يتأثر ففائدة هذا الذكر تنوير البصائر وكمال الدعوة إلى الله وهي مدرجة الرسل ع والكمل من الورثة في الدعاء فتجد كلامهم كأنه القرآن جديدا لا يبلى فيفتح للمؤمن به المعاني دائما والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الثامن والأربعون وخمسمائة في معرفة حال قطب كان منزله وهجيره فاذكروني أذكركم) من يذكر الله في أحواله أبدا * يذكره فيها فلا تنفك تذكره فإن ذكرك ذكر الحق ليس سوى * ما قلته وكذا في الكشف تبصره الحق عين وجود الكون فاعتبروا * العين تشهده والوهم يحصره والعقل ينفي بحكم الفكر صورته * والفكر يستره والكشف يظهره والعقل بينهما حارت خواطره * هذا ينزهه وذا يصوره وليس يدري الذي فيه يقلده * فالله يرشده والله ينصره إذا رأى العقل ما قلناه فيه رأى * أمرا عظيما ونورا فيه يبهره وكل ذلك حد والحدود أبت * فليس شئ من الأشياء يحجره قال الله تعالى جده وكبرياؤه هو الذي يصلي فوصف نفسه بالتأخر في الذكر عن ذكر العبد وهنا كان ذكر العبد يعطي في نفس الحق الذكر لعبده كما يعطي السائل الإجابة في الحق ومن هذه الحضرة ظهر تأثير الكون في الوجود الحق فإذا كان الذاكر صحيح الذكر وهو أن يسمع بذكره المذكور وهو صادق في أنه يذكره إذا ذكره عبده فلا بد أن يسمعه ذكره لصدقه في قوله فمن لم يسمع ذكر ربه إياه عند ذكره فيتهم نفسه في ذكره وإنه ما وفي بشرط الذكر الموجب لذكر ربه إياه وهنا سر لا يمكن كشفه من أجل الدعوى وهو أن الله قد أعلمنا بما تذكره من تكبير وتهليل وتسبيح وتقديس وتحميد وتمجيد كل ذلك معلوم مقرر وما أعلمنا بما يذكرنا فإذا ذكره صاحب هذا الذكر ووفى الشرط من الإخلاص والحضور فعلامته أن يسمع ما يذكره به ربه فيعلم ما يذكره به كما أعلمه على لسان الرسول ما يذكر به ربه فإذا لم يعلم ذلك فما هو ذلك الذاكر ولا صاحب هجير فليلزم ما قلناه فإنه لا علامة له على صحة ذكره إلا ما ذكرناه خاصة والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب التاسع والأربعون وخمسمائة في معرفة حال قطب كان منزله أما من استغنى فأنت له تصدى) إذا تجلت صفات الحق في أحد * يعظم الكشف ذاك الواحد الأحدا
(١٩٠)