إلى أن لا يزيدوا فيها ولا ينقصوا منها فقد عملوا بعلمهم وما هم عالمون بمؤاخذة الله من عصاه على التعيين فما عصى إلا من ليس بعالم بالمؤاخذة ألا تراه لا يقصد بالمعصية انتهاك الحرمة لعلمه بما ينبغي لذلك الجناب من التعظيم فما خالف عالم علمه قط فالعلماء تحت تسخير علمهم ومن ذلك النذر واجب في جميع المذاهب قال ما قرر الله وأوجبه على العبد مما أوجبه العبد على نفسه وهو النذر إلا لتحقق عبده إنه خلقه على صورته وقد أوجبه على نفسه وذكر وهو الصادق أنه يوفي به لمن أوجبه له فأوجب عليك الوفاء بما أوجبته على نفسك فإن المؤمن يجب لأخيه ما يحب لنفسه والمؤمن يحب لنفسه إنه لا يؤذي فيحب لأخيه المؤمن أنه لا يؤذي وإذا أحب ذلك دفع عنه الأذى ما استطاع والمؤمن لا يتأذى بالمعصية لأنه أتاها عن شهوة والتذاذ بها وإنما يتأذى بالعقوبة عليها في الدار الآخرة فدفع عن المؤمن الحق ذلك الأذى في الأخرى كما دفع عن نفسه الأذى في الأخرى فقال يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا وأما في الدنيا فعرض نفسه للأذى فأوذي بما قيل فيه فأذى المؤمن بما نصب له من إقامة الحدود على المعاصي وزنا بوزن ومن ذلك السلامة من الآفات في الإضافات قال أصعب العلم بالله إثبات الإطلاق في العلم به لا من كونه إلها وإما من كونه ذاتا أو من حيث نفسه فالإطلاق في حقه عبارة عن العجز عن معرفته فلا يعلم ولا يجهل ولكن يعجز وأما من كونه إلها فالأسماء الحسنى تقيده والمرتبة تقيده ومعنى تقييده طلب المألوه له بما يستحقه من التنزيه والتنزيه تقييد والعلم به من كونه إلها يثبت شرعا وعقلا فللعقل فيه التنزيه خاصة فيقيده به وللشرع فيه التنزيه والتشبيه فالشرع أقرب إلى الإطلاق في الله من العقل والعارف ينظر في الإضافات فيحكم فيه بحسب ما أضيف إليه ومن ذلك من رأى الحق فقد رأى نفسه قال من أراد أن يرى الحق فلير نفسه فكما أنه من عرف نفسه عرف ربه فكذلك من رأى نفسه فقد رأى ربه أو من رأى ربه فقد رأى نفسه فعند العارفين أن الشرع أغلق في هذا القول باب العلم بالله لعلمه بأنه لا يصل أحد إلى معرفة نفسه فإن النفس لا تعقل مجردة عن علاقتها بهيكل تدبره منورا كان أو مظلما فلا تعقل إلا كونها مدبرة ماهيتها ما تعقل ولا تشهد مجردة عن هذه العلاقة ولذلك الله لا يعقل إلا إلها غير إله لا يعقل فلا يتمكن في العلم به تجريده عن العالم المربوب وإذا لم يعقل مجردا عن العالم فلم تعقل ذاته ولا شهدت من حيث هي فأشبه العلم به العلم بالنفس والجامع عدم التجريد وتخلص حقيقة ذاته من العلاقة التي بين الله وبين العالم والعلاقة التي بين نفسك وبين بدنها وكل من قال بتجريد النفس عن تدبير هيكل ما فما عنده خبر بماهية النفس ومن ذلك المجيب سامع والسامع طائع قال كما إن أعيان الممكنات القائمة بأنفسها ثابتة في حال عدمها كذلك ما يقوم بها من القوي وتتصف به مما هي معدومة ثابتة في حال عدمها في أعيان من قامت به قيام ثبوت كما يكون في الوجود إذا وجدت على السواء فلو لا ما سمع الممكن في حال عدمه كن من الحق لما أراد الحق تكوينه ما كان ولكان قول الحق في قوله أن نقول له كن لا يصدق ولا سبيل إلى القول بحدوث كن عند الحق فهو إدراك خاص من الممكن الذي يريد الحق إيجاده للواجب الوجود فيظهر عينه فيكون ما أدرك منه الممكن تعالى هو عين كن فانصبغ بالوجود فكان والتخصيص أثبت الإرادة والتوجه الخاص وهو حكم عقلي لا يتعدى النظر فتحقق ومن ذلك لباس الباطن الغذاء ولباس الظاهر ما يدفع به الأذى قال المخلوق يلزمه الأذى لفقره وهو لذاته ينبعث لدفع الآلام عن نفسه فالجوع ألم يدفعه بالطعام والعطش ألم يدفعه بالشرب والحر والبرد ألم يدفعهما باللباس وسائر الآلام يدفعها بالأدوية التي جعلها الله لدفع الآلام وما عدا الدافع إما زينة أو اتباع شهوة ولها ألم في النفس فلا يندفع إلا بتناول المشتهي وذلك سائغ من النفس في كل ما تشتهيه فوقتا يدفع الألم عند الإحساس به ووقتا يستعد له قبل نزوله وعلى الجملة ما تستعمل النفس شيئا من ذاتها إلا لدفع ألم وهذا الفرقان بين الحق والخلق فلو لم يكن الإيجاد للحق لذاته لكان حكمه في الإيجاد مثل هذا الحكم في دفع الألم عن نفسه بالإيجاد فإن الإرادة منه كالشهوة منا وبتناول المشتهي تندفع وهو في كل يوم في شأن فتحقق ومن ذلك من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى قال كما تكون
(٤٢٣)