من إعطاء اسم من الأسماء الإلهية حتى من الاسم الله فإن الاسم الله دلالة على الرتبة والهوية دلالة على العين لا تدل على أمر آخر غير الذات ولهذا يرجع إليها محلول لفظة الله فإنك تزيل الألف واللامين على الطريقة المعروفة عند أهل الله فيبقى هو فإن جعلته سببا لتعلق الخلق به مكنت الضمة فقلت هو فجئت بواو العلة وفيها رائحة الغناء عن العالمين والعلة ما لها هذا المقام من أجل طلبها المعلول كما يطلبها المعلول فحركت بالفتح تخفيفا من ثقل العلية فقيل هو فدل على عين غائبه عن أن يحصرها علم مخلوق فلا يزال غيبا عند كل من يزعم أنه عالم به حتى عن الأسماء الإلهية فشغلها بما وضعها له من المعاني فجعل الرزاق همته متعلقة بالرزق والمقيت بالتقويت والعالم بالعلم والحي بالحياة وكل اسم بما وضع له وما دل عليه من الحكم فالأسماء موضوعة وضعتها الممكنات في حال ثبوتها وعدمها فالأسماء أحكامها والهوية تقوم للممكنات بهذه الأحكام فإليه وهو الهو يرجع الأمر كله وإلى الهو من ألا إلى الله تصير الأمور ترجع الأمور كلها وما ذكر إلا الهو بالتصريح أو الله ما ذكر اسما غيره فافهم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب العاشر وخمسمائة في معرفة حال قطب كان منزله سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق) سأصرف عن براهين الوجود * قلوبا لم تنل رتب السجود فلما أن زهت فخرا وعجبا * على أهل المشاهد والشهود حرمناها العلوم فلم تنلها * كما قد نالها أهل القصود فاعلم أيدنا الله وإياك أن الكبرياء ليس إلا لله فمن تكبر من الخلق بغير الحق فما هو كبير في نفس الأمر وإنما هي دعوى حال لا وجود له في عين المدعي فإن كان له وجود وتكون الدعوى صحيحة فليس المدعي عند ذلك إلا الحق والحق له الكبرياء وما سمي المحل متكبرا إلا لكون الدعوى ما ظهرت إلا في محل ما له الكبرياء وادعاؤه بحق فكان لسان المدعي عين الحق كما جاء كان الله سمعه وبصره واعلم أن الله ما صرف أحدا عن الآيات إلا وقد صرفه عن العلم بالأمر على ما هو عليه الأمر والشأن والآيات التي صرف هذا العبد عنها هي عين الآيات التي أراها لمن أراها في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق الذي يتكبر به من تكبر فمن تكبر في الأرض دون السماء بغير الحق فهو أجهل الجاهلين لأنه وضع الكبرياء في غير موضعه إذ من شرطه أمران الواحد الحق الذي يقبله المخلوق والثاني العلو فمن تكبر في الأرض بالحق فالحق له العلو بالذات والسمو لم يصرف الله عنه الآيات فيريه إياها تشريفا لهذا المحل فإذا رآها تبين له عين الحق فإنه ما رآها إلا بالحق وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما خلقنا هما إلا بالحق وأمرنا أن نعطي كل ذي حق حقه وما ثم إلا ذو حق وحقه إنما هو الحافظ له وهنا نكتة خفية فإن الله له على عباده حق يطلبه منهم وقد ورد في الصحيح أن حق الله أحق بالقضاء من حق المخلوق لأن نسبة الحق إلى الله أتم وأصح من نسبة الحق إلى المخلوق لأن نسبة الحق بالحق ذاتية ما هي بالجعل ونسبة الحق إلى المخلوق بالجعل ولكنه جعل لا يصح انفكاكه عنه فالسعيد من عرف الحقوق وأهلها فأداها والشقي من لم يعرف الحقوق ولا عرف أهلها والذي بين السعيد والشقي من عرف الحقوق وأهلها وظلمهم وظلمها فهذه الطائفة هم في ظلمات لا يبصرون والطرف الآخر هم الصم البكم العمي الذين لا يرجعون عند ما يبصرون ولا يعقلون عند ما يسمعون ولا يصيبون عند ما يتكلمون فأولئك الذين ما ظلمهم الله ولكن كانوا هم الظالمين فإنهم ظلموا الحقوق وأهلها فإن لهم قلوبا يعقلون ويفقهون بها وإن لهم أعينا يبصرون بها وإن لهم آذانا يسمعون بها فأنزلوا نفوسهم منزلة الأنعام بل أضل سبيلا لأن الأنعام ما جعل الله لهم هذه القوي التي توجب لصاحب البصر أن يعتبر ولصاحب الأذن أن يعي ما يسمع ولصاحب القلب أن يعقل فهم الذين يتفكرون في خلق السماوات والأرض فيعطيهم التفكر مما سمعوا وأبصروا وتقليب الأحوال عليهم أن يقولوا ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فسبحوه إن جعلوه منزها عن إيجاب العلة عليه في خلقه لأنه إذن خلقها لحكمة فكان تلك الحكمة أوجبت الخلق عليه وما ثم موجب عليه إلا ما يوجبه
(١٤٩)