هذه الدار تجليه لجبل موسى ع ولكن لا يجعله دكا وسبب ذلك الدؤوب على هذا الذكر فإنه يورث العبد قوة وتلك القوة من كون الذاكر لا يزال يذكر الله والله جليس من يذكره وإن لم يشعر به فأول ما يفتح الله لكل ذاكر في نفسه معرفة من يذكر الله به فلا يرى الذاكر منه الله إلا لهوية الحق ثم في سمعه ذكره كذلك يشهد أنه لا يسمع ذكر الله منه إلا الله فإذا رأى نفسه حقا كله حينئذ يقع له التجلي الذي وقع لجبل موسى ولموسى فلا يندك ولا يصعق وإن فنى فإنما يفنيه جمال ذلك المشهود فإن الله جميل ويحب الجمال فلا بد أن يكسو الله باطن هذا العبد من الجمال بحيث إنه لا يتجلى له إلا حبا لما ظهر فيه من الجمال الخاص المقيد به الذي لا يمكن أن يظهر ذلك الجمال إلا في هذا المحل الخاص فإنه لكل محل جمال يخصه لا يكون لغيره ولا ينظر الله إلى العالم إلا بعد أن يجمله ويسويه حتى يكون قبوله لما يرد به عليه في تجليه على قدر جمال استعداده فيكسوه ذلك التجلي جمالا إلى جمال فلا يزال في جمال جديد في كل نجل كما لا يزال في خلق جديد في نفسه فله التحول دائما في باطنه وظاهره لمن كشف الله عن بصيرته غطاء عماه واعلم أن الحدود الموضوعة في العالم أعني الحدود المشروعة التي أمرنا الحق أن لا نتعداها ثم شرع لنا حدودا تقام علينا إذا تعديناها كل ذلك لنعرف أن الأمر حد كله فينا وفيه دنيا وآخرة لأن بالحدود يقع التمييز وبالتمييز يكون العلم فلولا الفارق لما تميزت عين من عين ولا كان ثم علم بشئ أصلا وقد تميز لنا وبنا وعنا كما تميزنا له وبه وعنه فعرفنا من نحن ومن هو فإن غلبنا حال يقول ذلك الحال بلسانه أنا من أهوى ومن أهوى أنا فيكفيه من قوة أثر الحدود إن فرق بين أنا وبين من أهوى ولو أنه يهوى نفسه فحاله كونه يهوى وهو الفاعل ما هو عين حاله يهوى وهو المفعول فبينت الحدود الأحوال كما بينت الأعيان وهذا علم ما تصل إليه العبارة في أحدية العين ولم يقدر على أن يوحد الحال ولا ذلك بممكن أصلا وفي باب العلم بالله أوصل ما يكون الأمر وأعظم في الأحدية أن يكون وجود العالم عين وجود الحق لا غيره ومعلوم اختلاف صور العالم واختلاف الأسماء الإلهية ولا معنى للاختلاف الواضح إلا العلم بأنه لولا الحدود لما كان التمييز وإن كان الوجود عينا واحدة وهو الوجود الحق فالموجودات والمعقولات مختلفة ولقد لعن الله على لسان رسول الله ص من غير منار الأرض وهو الحدود لأن التشابه إذا غمض جدا أوقع الحيرة وخفي الحد فيه فإن شخصيات النوع الواحد الأخير متماثلة بالحد متميزة بالشخص فلا بد من فارق في المتماثل بالحد ويكفيك إن جعلته مثله لا عينه فالحد يصحب ما في العلم أجمعه * والحد يصحبه التحديد في النظر (الباب الثامن وخمسمائة في معرفة حال قطب كان منزله الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) لولا الولاية كنت في الظلمات * فاختصني الرحمن بالحركات فخرجت منها أبتغي النور الذي * جمعتني فيه وعين شتاتي ورأيت محياي الذي أسعى له * وعلمت شأني فيه بعد وفاتي ورأيت في الإنسان كل فضيلة * والعلم أكمل فيه في الدرجات فضممت للإيمان علما بالذي * كان الوجود به بغير صفات وبدت لي الأسماء خلف حجابه * فشهدتها بالكشف عين سماتي إن العناية أشرقت أنوارها * فسعيت في الأنوار طول حياتي لولا وجود النور في أبصارنا * وقلوبنا لسعيت في الظلمات فالله أكبر والكبير بدايتي * ما دامت الدنيا وبعد مماتي إن الخلافة لا يكون كمالها * إلا هنا لا في الذي هو آتي فيزول في الجنات نصف وجودها * لإزالة الأحكام في الدركات لما رأيت عموم رحمة ذاته * في النشأة الأخرى ولم أر يأتي
(١٤٦)