وجدناها سوى ما ندعوه به من الأسماء الحسنى فليس للذات جبر في العالم إلا بهذه الأسماء الإلهية ولا يعرف العالم من الحق غير هذه الأسماء الإلهية الحسنى وهي أعيان هذه الحضرات التي في هذه الباب فهذا قد أنبأناك بالجبروت الإلهي ما هو على الاقتصار والاختصار والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (حضرة كسب الكبرياء وهو للاسم المتكبر) إن التكبر من يقوم بنفسه * كبر فكن عبدا به متكبرا يزهو ويخطر في العداء بنفسه * متجردا عن كبره متبصرا كأبي دجانة حين أشهر سيفه * يمشي به بين العدا متبخترا يدعى صاحب هذه الحضرة عبد المتكبر وهو اسم غريب غير متعارف وإنما يعرف الناس عبد الكبير وقال الله عز وجل كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار لم يقل كبير فإن التكبر لا يكتسبه الكبير وإنما يكتسبه الأدنى في الرتبة فيكسب العبد الكبرياء بما هو الحق صفته فالكبرياء لله لا للعبد فهو محمود مشكور في كبريائه وتكبره ويكسب الحق هذا الاسم فإنه تعالى ذكر عن نفسه أنه متكبر وذلك لنزوله تعالى إلى عباده في خلقه آدم بيديه وغرسه شجرة طوبى بيده وكونه يمينه الحجر الأسود وفي يد المبايع بالإمامة من الرسل في قوله إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ونزوله في قوله جعت فلم تطعمني وظمئت فلم تسقني ومرضت فلم تعدني وما وصف الحق به نفسه مما هو عندنا من صفات المحدثات فلما تحقق بهذا النزول عندنا حتى ظن أكثر المؤمنين أن هذا له صفة استحقاق وتأولها آخرون من المؤمنين فمن اعتقد أن اتصاف الحق بهذا أن المفهوم منه ما هو المفهوم من اتصاف الخلق به أعلم الحق هذه الطائفة خاصة إنه يتكبر عن هذا أي عن المفهوم الذي فهمه القاصرون من كون نسبته إليه تعالى على حد نسبته إلى المخلوق وبه يقول أهل الظاهر أهل الجمود منهم القاصرة أفهامهم عن استحقاق كل مستحق حقه فقال عن نفسه تعالى إنه الجبار المتكبر عن هذا المفهوم وإن اتصف بما اتصف به فله تعالى الكبرياء من ذاته وله التكبر عن هذا المفهوم لا عن الاتصاف لأنه لو تكبر عما وصف به نفسه مما ذكرنا لكان كذبا والكذب في خبره محال فالاتصاف بما وصف به نفسه حق يعلمه أولوا الألباب ومن هذه الحضرة يكون لبعض العباد ما يجدونه في قلوبهم من كبرياء الحق مما يفقده بعضهم من ذلك من العصاة ومن له اجتراء على الله ومن الناس الذين يتوبون عن بعض المخالفات فيتميز عنهم من غلب على قلبه كبرياء الحق فإنه تكبر في نفس هذا العبد اكتسبه بعد أن لم يكن موصوفا بهذه الصفة فعبيد المتكبر قليل وأما الذين أجرأهم على المخالفة ما وصف الحق به نفسه من العفو والمغفرة ونهاهم عن القنوط من رحمة الله فما عندهم رائحة من نعت التكبر الإلهي الذي هو به متكبر في قلوب عباده إذ لو كبر عندهم ما اجترؤا على شئ من ذلك ولا حكمت عليهم هذه الأسماء التي أطمعتهم فإن كبرياء الحق إذ استقر في قلب العبد وهو التكبر من المحال أن تقع منه مخالفة لأمر الحق بوجه من الوجوه فإن الحكم لصاحب المحل في وقته فدل وقوع المخالفة على عدم هذا الحاكم فالحق المتكبر إنما هو في نفس هذا الموافق الطائع عبد الله على الحقيقة وهذا أعلى الوجوه لهذه الحضرة في تكسب الكبرياء حتى إن العبد المقدر عليه وقوع المحظور إذا اتفق أن يقع منه بحكم القدر المحتوم وسلب العقل عنه وظهور سلطان الغفلة وانتزاح الايمان منه حتى يصير عليه كالظلة يأتي هذا الأمر وقلبه وجل مع هذا كله لإيمانه إنه إلى ربه راجع يعني هذا الفعل إذا نسبه من كونه فعلا إنه راجع إلى الحق والحكم فيه إنه معصية أو مخالفة إنما هو للعبد فيبقى العبد المقدر عليه في وجل إن نسبه إلى الحق فيرى الحكم بالذم الإلهي يتبعه فيدركه الوجل كيف ينسب إلى الله ما يناط به الذم وإن نسبه إلى نفسه من كونه محكوما عليه بالذم فإن كونه عملا ينسب إلى الله حقيقة وأنه في التكوين لمن قال له كن فلا حكم للعبد في وجود هذا العمل فيدركه الوجل أن نسبه مع هذا العلم في التكوين إلى نفسه فيكون ممن أشرك بالله وقد نهي أن يشرك بالله شيئا وسبب هذا كله كبرياء الحق الذي اكتسبه بالنظر العقلي في نفسه فما كبر الله من عصاه
(٢٠٩)