نفس الأمر فكما أنه للكثرة أحدية تسمى أحدية الكثرة كذلك للواحد كثرة تسمى كثرة الواحد وهي ما ذكرناه فهو الواحد الكثير والكثير الواحد وهذا أوضح ما يذكر في هذه المسألة والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (حضرة السمع) أسمع الحق يا أخي نداكا * إنه سامع عليم بذاكا لو جفوت الجناب يوما بأمر * لم تجده يوما له قد جفاك يدعى صاحب هذه الحضرة عبد السميع لأنه مسموع فيتضمن الكلام لأنه مسموع وكذا الأصوات فهذه الحضرة تتعلق بحضرة النفس وهو العماء وقد تقدم له باب يخصه كبير مبسوط إلا أني أومي إلى نبذ من هذه الحضرة مما لم نذكره في باب النفس يطلب السمع في حضرته وليس إلا تلاوة الكتب الإلهية تلاها من تلاها على جهة التوصيل فلا بد لحكم هذه الحضرة فيها وليس إلا السمع لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء وقال إنما يستجيب الذين يسمعون وقال كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء وقال ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون من هذه الحضرة سمع كل سامع غير إن الموصوفين بأنهم يسمعون مختلفون في القبول فمنهم سامع يكون على استعداد يكون معه الفهم عند سماعه بما أريد له ذلك المسموع ولا يكون ذلك إلا لمن كان الحق سمعه خاصة وهو الذي أوتي جميع الأسماء وجوامع الكلم وكل من ادعى هذا المقام من العطاء أعني الأسماء وجوامع الكلم وسمع ولم يكن عين سمعه عين فهمه فدعواه لا تصح وهو الذي له نصيب في قوله تعالى ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون والسماع المطلق الذي لكل سامع إنما هو للذي لا يسمع إلا دعاء ونداء وقد لا يعلم من نودي فذلك هو الأصم لأن لكل صورة روحا وروح السماع الفهم الذي جاء له المسموع قال تعالى صم وإن كانوا يسمعون بكم وإن كانوا يتكلمون عمي وإن كانوا يبصرون فهم لا يرجعون لما سمعوا ولا يرجعون في الاعتبار إلى ما أبصروا ولا في الكلام إلى الميزان الذي به خوطبوا مثل قوله تعالى إن تقولوا على الله ما لا تعلمون وأن تقولوا ما لا تفعلون وتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأصحاب هذه الصفات أيضا كما لا يرجعون فإن الحق قد أخبر عنهم في منزلة واحدة إنهم لا يعقلون من العقال أي لا يتقيدون بما أريد له ذلك المسموع ولا المبصر ولا المتكلم به من الذي تكلم فإن الله عند لسان كل قائل يعني سميعا يقيده بما سمع منه فلا يتخيل قائل إن الله أهمله وإن أمهله ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد يحصي عليه ألفاظه التي يرمي بها لا يترك منها شيئا حتى يوقفه عليها إما في الدنيا إن كان من أهل طريقنا وإما في الآخرة في الموقف العام الذي لا بد منه وكل صوت وكلام من كل متكلم وصامت إذا أسمعه الحق تعالى من أسمعه فإنما أسمعه ليفهمه فيكون بحيث ما قيل له ونودي به وأقله النداء وأقل ما يتعلق بالنداء الإجابة وهو أن يقول لبيك فيهيئ محله لفهم ما يقال له أو يدعى إليه بعد النداء كان ما كان فإذا كان الحق السميع نداء العبد نادى العبد من نادى أما الحق وأما كونا من الأكوان فإن الله يسمع ذلك كله لأنه ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم يسمع ما يتناجون به ولذلك قال لهم لا تتناجوا بالإثم والعدوان وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله فإنه معكم أينما كنتم فيما تتناجون به فإنكم إليه تحشرون وإن كان معهم فكنى بالحشر إذا فتح الله بإزالة الغطاء عن أعينهم فيرون عند ذلك من هو معهم فيما يتناجون به فيما بينهم فعبر عنه بالحشر للسؤال عما كانوا فيه وأما ذكره تعالى بأنه يشفع فرديتهم ويثني أحديتهم في قوله ولا أدنى من ذلك ولا أكثر فهل يريد به أيضا أفراد شفعيتهم كما شفع وتريتهم أو لا يكون أبدا إلا مشفعا فرديتهم خاصة كما نص عليه فاعلم وفقك الله أن الله ما خلق شيئا إلا في مقام أحديته التي بها يتميز عن غيره فبالشفعية التي في كل شئ يقع الاشتراك بين الأشياء وبأحدية كل شئ يتميز كل شئ عن شيئية غيره وليس المعتبر في كل شئ إلا ما يتميز به وحينئذ يسمى شيئا فلو أراد الشفعية لما كان شيئا وإنما يكون شيئين وهو إنما قال إنما قولنا لشئ ولم يقل لشيئين فإذا كان الأمر على ما قررناه ثم جاء الحق لكل شئ بصورته التي خلقه الله عليها فقد شفع ذلك الشئ كما يشفع الرئي صورته برؤيته
(٢٣٢)