فهو من أعجب الإشارة الإلهية لأهل الفهم عن الله وهو قوله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب السابع والثلاثون وأربعمائة في معرفة منازلة من عرف حظه من شريعتي عرف حظه مني فإنك عندي كما أنا عندك مرتبة واحدة) من كان لي كنت له * كمثل ما هو لا أزيد * فالشرع غيب ظاهر * له مقامات العبيد يستخدم الكون كما * يخدمه بلا مزيد * فمن يفي بعهده * فهو وفى بالعهود له النزول نحونا * كما لنا عين الصعود * إليه في أعمالنا * وهو الحفيظ والشهيد فخصنا بلذة * الكشف ولذات الشهود قال الله تعالى فاذكروني أذكركم رأيت سائلا يسأل شخصا بوجه الله أو بحرمة الله عندك أعطني شيئا ومعي عبد صالح يقال له مدور من أهل أسبجة ففتح الرجل صرة فيها قطع فضة صغار وكبار فأخذ يطلب على أصغر ما فيها من القطع فقال لي العبد الصالح أتدري على ما يطلب قلت له قل قال على قيمته عند الله وقدره فكلما أخرج قطعة كبيرة يقول بلسان الحال ما نساوي مثل هذه عند الله فأخرج أصغر ما وجد فأعطاه إياها إلا أن الله وصف نفسه بالغيرة وعلم من أكثر عباده أنهم يهبون جزيل المال وأنفسه في هوى نفوسهم وأغراضهم فإذا أعطى أكثرهم لله أعطى كسرة باردة وفلسا وثوبا خلقا وأمثال هذا هذا هو الكثير والأغلب فإذا كان يوم القيامة وأحضر الله ما أعطى العبد من أجله بينه وبين عبده حيث لا يراه أحد فأحضر ما أعطى لغير الله فيقول له يا عبدي أليست هذه نعمتي التي أنعمت بها عليك أين ما أعطيت لمن سألك بوجهي فيعين ذلك الشئ التافه الحقير ويقول له فأين ما أعطيت لهوى نفسك فيعين جزيل المال من ماله فيقول أما استحييت مني أن تقابلني بمثل هذا وأنت تعلم أنك ستقف بين يدي وسأقررك على ما كان منك فما أعظمها من خجلة ثم يقول له قد غفرت لك بدعوة ذلك السائل لفرحه بما أعطيته لكني قدر بيتها لك وقد محقت ما أعطيته لهوى نفسك فإن صدقتك أخذتها وربيتها لك فيحضرها أمام الأشهاد وقد رجع الفلس أعظم من جبل أحد وما أعطى لغير الله قد عاد هباء منثورا قال الله تعالى يمحق الله الربا ويربي الصدقات فالعارفون بالله صغيرهم كبير وكبيرهم لا أعظم منه فإنهم لا يعطون لله إلا أنفس ما عندهم وأحقر ما عندهم فكلهم لله وكل ما عندهم لله العبد وما يملكه لسيده فيعطون بيد الله ويشاهدون يد الله هي الآخذة وهم مبرؤون في العطاء والأخذ مع غاية الاستقامة والمشي على سنن الهدى والأدب المشروع فيكونون عند الحق بمنزلة ما هو الحق في قلوبهم يعظمون شعائر الله وحرمات الله فيعظمهم الله يوم يقوم الأشهاد بمرأى منهم ويقيم الآخرين على مراتبهم فذلك يوم التغابن فيقول فاعل الشر يا ليتني فعلت خيرا ويقول فاعل الخير ليتني زدت والعارف لا يقول شيئا فإنه ما تغير عليه حال كما كان في الدنيا كذلك هو في الآخرة أعني من شهوده ربه وتبريه من الملك والتصرف فيه فلم يقم له عمل مضاف إليه يتحسر على ترك الزيادة منه وبذل الوسع فيه وما كان منهم من زلل مقدر وقع منهم بحكم التقدير فإن الله يتوب عليهم فيه بتبديله على قدر الزلة سواء لا يزيد ولا ينقص فإن العارف في كل نفس تائب إلى الله في جميع أفعاله الصادرة منه توبة شرعية وتوبة حقيقية فالتوبة المشروعة هي التوبة من المخالفات والتوبة الحقيقية هي التبري من الحول والقوة بحول الله وقوته فلم يزل العارف واقفا بين التوبتين في الحياة الدنيا في دار التكليف فإن كان له اطلاع إلهي على أنه قد قيل له افعل ما شئت فقد غفرت لك فإن ذلك لا يخرجه عن تبريه ولم تبق له بعد هذا التعريف توبة مشروعة لأنه بين مباح وندب وفرض لا حظ له في مكروه ولا محظور لأن الشرع قد أزال عنه هذا الحكم في الدار الدنيا ورد ذلك في الخبر الصحيح عن الله في العموم وفي أهل بدر في الخصوص لكنه في أهل بدر على الترجي وفي وقوعه في العموم واقع بلا شك فمن أطلعه الله عليه من نفسه بأنه من تلك الطائفة فذلك بشرى من الله في الحياة الدنيا قال الله تعالى الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله هذا حال
(٤٩)