أصاب الحق أو أخطأه كما هو نعت هذا الخائض إن حمد خوضه أو ذمه فهو في الحالتين على بصيرة ولهذا أمرنا الحق أن نتركهم في خوضهم يلعبون ولو لم يكن في هذا الذكر من الفائدة إلا كون الله يتخلق لعباده في اعتقادهم فإن الناظر في الله خالق في نفسه بنظره ما يعتقده فما عبد إلا إلها خلقه بنظره وقال له كن فكان ولهذا أمرنا الناس أن يعبدوا الله الذي جاء به الرسول ونطق به الكتاب فإنك إذا عبدت ذلك الإله عبدت ما لم تخلق بل عبدت خالقك فأعطيت العبادة حقها موفى فإن العلم بالله لا يصح أن يكون علما إلا عن تقليد محال أن يكون عن دليل ولهذا منعنا عن التفكر في ذات الله ولم نمنع بل أمرنا أن نفرد الرتبة إليه فلا إله إلا هو والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الخامس وخمسمائة في معرفة حال قطب كان منزله واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا كان عليه من أصحابنا محمد المراكشي بمراكش) ليس قلب الوجود غير وجودي * وكذا في الشهود عين شهودي فأنا القلب والمهيمن قلبي * وهو مني مكان حبل الوريد لا تحدوه للذي قد سمعتم * إنه جل عن قيود الحدود من رآني فقد رآه ومن لم * يرني لم يفل بفرض السجود إنما يفرض السجود على من * قال في الحق إنه من وجودي يريد قوله ص من عرف نفسه عرف ربه رأيت محمد المراكشي بمراكش وكان يكاثرني ليلا ونهارا وكان هذا هجيره دائما فما رأيته ضاق صدره من شئ قط وكانت الشدائد تمر عليه فلا يتلقاها إلا بالفرح والضحك فتفرج عنه في نظرنا وهو ينتقل من فرح إلى فرح ومن سرور إلى سرور فكنت أقول له هل تصبر على حلول هذه النوازل المكروهة طبعا فيقول لما صبرت أولا فأنتج لي ذلك الصبر على الحكم الإلهي مشاهدة العين فشغلتني عن كل حكم فما أتلقاه إلا به فهو مجني فإياه أسأل فإن النوازل به تنزل في رؤيتي وأنتم ترون حكم النازلة في صورتي وكل عند نظره ثم كان هذا الشخص من أحفظ الناس على أوقات عباداته والله ما رأيت مثله بعده في هذا المقام وما تحسر أحد من إخواني على فراقي حين فارقته إلى هذه البلاد مثل تحسره على فراقي وكان يقول لي والله لولا مشاهدة العين التي حجبتني عن نفوذ الحكم الرباني في لسافرت معك فوالله ما يغيب عني منك إلا تحول صورة الحق إلى صورة أخرى فأشهده غيبا ومحضرا وهذا ذوق عجيب كان كثير الأدب كثير الكلام يكاد لا يصمت أبدا عن دلالة الناس على الله عز وجل فإذا قيل له في ذلك يقول أنا أؤدي فريضتي في كلامي وأنت بالخيار في مجالستي والإصغاء إلى ما نورده أنا أتكلم مع من يسمع ما أتكلم مع من لا يسمع اعلم أن هذا الذكر يعطي الثبوت مع الحكم الرباني لما فيه من المصلحة وإن لم يشعر به العبد وجهله فهو في نفس الأمر مصلحة كان الحكم ما كان وهذا هو مقام الإحسان الأول الذي هو فوق الايمان فله الشهود الدائم في اختلاف الأحكام ولا بد من اختلافها لأنه تعالى كل يوم في شأن فإن كنت صاحب غرض وتحس بمرض وألم فأحبس نفسك عن الشكوى لغير من آلمك بحكمه عليك كما فعل أيوب ع وهو الأدب الإلهي الذي علمه أنبياءه ورسله فإنه ما آلمك وحكم عليك بخلاف غرضك وغرضك من جعل حكمه فيك إلا لتسأله في رفع ذلك عنك بما جعل فيك من العرض الذي بسببه تألمت فمن لم يشك إلى الله مع الإحساس بالبلاء وعدم موافقة الغرض فقد قاوم القهر الإلهي جاع أبو يزيد البسطامي فبكا فقيل له في ذلك فقال إنما جوعني لأبكي فالأدب كل الأدب في الشكوى إلى الله في رفعه لا إلى غيره ويبقى عليه اسم الصبر كما قال تعالى في رسوله أيوب ع إنا وجدناه صابرا في وقت الاضطراب والركون إلى الأسباب فلم يضطرب ولا ركن إلى شئ غير الله إلا إلينا لا إلى سبب من الأسباب فإنه لا بد طبعا عند الإحساس من الاضطراب وتغير المزاج ولذلك لطخ الحلاج وجهه بالدم حين قطعت أطرافه لئلا يظهر إلى عين العامة تغير مزاجه غيرة منه على المقام لمعرفته بهذا كله وهو القائل في وقت هذه الحال
(١٤٣)