مشركون مع ثبوت الايمان فدل أنه ما أراد الايمان بالتوحيد وإنما أراد الايمان بالوجود ثم ظهر التوحيد لمن ظهر في ثاني حال فمن ادعى هذا الذكر هجيرا ولم يحصل عنده عذر العالم فيما أشركوا فيه فما هو من أهل هذا الذكر فإنه ما له ذوق إلا هذا والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الثامن والتسعون وأربعمائة في معرفة حال قطب كان منزله ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) من يتق الله في ضيق وفي سعة * فرزقه يأته من حيث لا يدري رزق المعاني ورزق الحس فارض به * ربا إذا جاء في ليل إذا يسرى وفي زمان وفي غير الزمان فلا * تنظر إلى أحد في طبعه يجري لولا وجود ولولا الدهر ما نظرت * عيني إلى أحد من عالم الأمر قال الله عز وجل إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا وهو قوله يجعل له مخرجا فيخرج مما كان فيه فيفارقه إلى أمر آخر لأنه ما يخرج إلى عدم وإنما يخرج من وجود إلى وجود هذا حال العالم بعد وجوده لا سبيل إلى العدم بعد ذلك قال إليه ترجع الأمور وهو الوجود الحق ومن صدق هذه الآية الأمر الذي سرى في العالم وقال به إلا الشاذ النادر الذي لا حكم له وهو إن أحدا لا تراه راضيا بحاله في الوجود أصلا ولذلك علة أصلية وهو أن الحق كل يوم من أيام الأنفاس في شأن فتحرك العالم تلك الشؤون الإلهية فيطلب الانتقال مما هو فيه كان ما كان إلى أمر آخر غير إن الشاذ القليل وإن طلب الانتقال فإنه راض بحاله في وقته وفي طلبه الانتقال فهو يطلب ليجمع وأكثر العالم لا يطلب الانتقال إلا لعدم الرضاء بحاله فما تجد أحدا من صالح ولا غير صالح يرضى بحاله هذا هو الساري في العالم ومن هذا الباب إنك ما ترى أحدا إلا وهو يذم زمانه ويحمد ما مضى وخلا من الأزمان وليس زمانه إلا حاله مذ وجدت هذه النشأة وأي زمان كان فيه بنوا آدم في وقت آدم حتى ذكر أنه قال في نظم له بلسانه ترجمته تغيرت البلاد ومن عليها * فوجه الأرض مغبر قبيح فالإنسان يذم يومه ويمدح أمسه وهو الإنسان عينه لا غيره وقد كان أمس يذم يومه ويمدح ما قبله فلم يزل الأمر هكذا وذلك للأمر الطبيعي أعني الذم كما إن طلب الانتقال للشأن الإلهي والعارفون يطلبون الانتقال للشأن الإلهي من غير ذم أوقاتهم وغير العارفين يذمون أوقاتهم طبعا ويطلبون الانتقال للشأن الإلهي الذي يحركهم لذلك وهم لا يشعرون وله أيضا سبب غير هذا عجيب أعني طلب الانتقال والذم وذلك أن الإنسان مجبول على القلق من الصيق وطلب الانفساح والإفراج عنه ويتخيل أن كل ما هو خارج عنه فيه الانفساح من هذا الضيق الذي هو فيه وذلك أن الإنسان إذا كان في حال ما من الأحوال فإنه مقبوض عليه بذلك الحال لإحاطته به لا بد من ذلك فيجد نفسه محصورا ويرى ما خرج عن ذلك الحصر أنه انفساح وانفراج لأن الأمر الخارج عن حاله ما هو واحد بعينه فيضيق عليه الأمر فلهذا يجد السعة فيما عدا حاله الذي هو عليه فإذا خرج لم يحصل له من ذلك الاتساع المتوهم إلا حال واحدة تحتاط به فيجد أيضا فيه الضيق لإحاطتها به وحصره فيه فيطلب الإفراج عنه كما طلبه في الحال الأول فلا يزال هذا ديدنه والله يخرجه من اسم إلى اسم دائما أبدا فمن اتخذ الله وقاية أخرجه من الضيق أي أزال الضيق عنه فاتسع في مدلول الاسم الله من غير تعيين ولذلك رزقه من حيث لا يحتسب لأنه لم يقيد فلم يتقيد فكل شئ أقامه الحق فيه فهو له فيرجع محيطا بما أعطاه الله فله السعة دائما أبدا فالانتقال يعم الجميع والرضاء وعدم الرضاء الموجب للضيق هو الذي يتفاضل فيه الخلق فمن اتقى الله خرج إلى سعة هذا الاسم فيتسع باتساع هذا الاسم الله اتساعا لا ضيق بعده ومن لم يتق الله لم يشهد سوى حكم اتساع واحد فيخرج من ضيق إلى ضيق ومن أراد أن يجرب نفسه ويأتي إلى الأمر من فصه ولينظر في نفسه إلى علمه برزقه ما هو فإن لم يعلم رزقه فذلك الذي خرج من الضيق إلى السعة وهو قوله تعالى ويرزقه من حيث لا يحتسب قال بعضهم في ذلك
(١٣٤)