فلو لا وجود الحق ما بان كائن * ولولا وجود الخلق ما كنت تخفيه فمن حضرة الخفض ظهر الحق في صورة الخلق فقال كنت سمعه وبصره الحديث وقال تعالى فأجره حتى يسمع كلام الله وقال من يطع الرسول فقد أطاع الله كما قال فيه وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ما على الرسول إلا البلاغ فلولا حكم النسب وتحقيق النسب ما كان للأسباب عين ولا ظهر عندها أثر وأنت تعلم أن استناد أكثر العالم إلى الأسباب فلولا إن الله عندها ما استند مخلوق إليها فإنا لم نشاهد أثرا إلا منها ولا عقلناه إلا عندها فمن الناس من قال بها ولا بد ومن الناس من قال عندها ولا بد ونحن ومن شاهد ما شاهدنا نقول بالأمرين معا عندها عقلا وبها شهودا وحسا كما قدمنا في الاقتدار والقبول فذلك هو الأصل الذي يرجع إليه الأمر كله فاعبده وتوكل عليه فهل طلب منك ما ليس لك فيه تعمل وما ربك بغافل عما تعملون فلا بد من حقيقة هنا تعطي الإضافة في العمل إليك مع كونه خلقا لله تعالى كما قال والله خلقكم وما تعملون أي وخلق ما تعملون وأهل الإشارة جعلوا هنا ما نافية فالعمل لك والخلق لله فما أضاف إليه تعالى عين ما أضافه إليك إلا لتعلم إن الأمر الواحد له وجوه فمن حيث ما هو عمل أضافه إليك ويجازيك عليه ومن حيث ما هو خلق هو لله تعالى وبين الخلق والعمل فرقان في المعنى واللفظ فلا تحجب عن معرفة هذا فإنه لطيف خفي والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (حضرة الرفعة) يرفع المؤمن المهيمن قوما * آمنوا فوق غيرهم درجات فتراهم بهم نفوسا سكارى * داخلات في حكمه خارجات ورأينا لديه فتيان صدق * عاملوه بالصدق في فتيات طاهرات من الخنا معلنات * بشهادات حقه مؤمنات يدعى صاحبها عبد الرفيع قال الله تعالى رفيع الدرجات ذو العرش فالرفعة له سبحانه بالذات وهي للعبد بالعرض وإنها على النقيض من حضرة الخفض في الحكم فإن الخفض للعبد بالأصالة والرفعة للحق واعلم أيدنا الله وإياك بروح منه أن هذه الحضرة من حضرات السواء التي لها موقف السواء في المواقف التي بين كل مقامين يوقف في كل موقف منها العبد ليعرف بآداب المقام الذي ينتقل إليه ويشكر على ما كان منه من الآداب في المقام الذي انتقل عنه وإنما سمي موقف السواء أو حضرة السواء لقوله تعالى عن نفسه إنه رفيع الدرجات فجعل له درجات ظهر فيها لعباده وقال في عباده العلماء به يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات يظهر فيها العلماء بالله ليراهم المؤمنون ثم إنه من حكم هذه الحضرة السوائية في رفع الدرجات التسخير بحسب الدرجة التي يكون فيها العبد أو الكائن فيها كان من كان فيقتضي له أي للكائن فيها إن يسخر له من هو في غيرها ويسخره أيضا من هو في درجة أخرى وقد تكون درجة المسخر اسم مفعول أعلى من درجة المسخر اسم فاعل ولكن في حال تسخير الأرفع بما سخره فيه شفاعة المحسن في المسئ إذا سأل المسئ الشفاعة فيه وفي حديث النزول في الثلث الباقي من الليل غنية وكفاية وشفاء لما في الصدور لمن عقل ولما كانت الدرجة حاكمة اقتضى أن يكون الأرفع مسخرا اسم مفعول وتكون أبدا تلك الدرجة أنزل من درجة المسخر اسم فاعل والحكم للأحوال كدرجة الملك في ذبه عن رعيته وقتاله عنهم وقيامه بمصالحهم والدرجة تقتضي له ذلك والتسخير يعطيه النزول في الدرجة عن درجة المسخر له اسم مفعول قال الله عز وجل ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليتخذ بعضكم بعضا سخريا فافهم ثم إنه أمر عباده ونهاهم كما أمر عباده أيضا أن يأمروه وينهوه فقال لهم قولوا اغفر لنا وارحمنا في مثل الأمر ويسمى دعاء ورغبة وفي مثل النهي لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا لا تحمل علينا إصرا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به وأمر الله أن نقول أوفوا بالعقود أوفوا بعهد الله إذا عاهدتم والنهي لا تنقضوا الايمان بعد توكيدها لا تخسروا الميزان وأمثال ذلك فنظرنا في السبب الذي أوجب هذا من الله أن يكون مأمورا منهيا على عزته
(٢٢٧)