بأدبه فقال رسول الله ص والشر ليس إليك ومن كونه خلقا يحس بالألم الحسي والنفسي كما يحس باللذات المحسوسة والمعنوية ويعلم الفرقان بينهما وأن السرور يصحب الالتذاذ وأن الحزن يصحب الألم طبعا فلذلك عدل في الضراء إلى حمد الله على كل حال والأحوال في العالم ما هي بأمر زائد على الشأن الذي ألحق فيه بل هو عين الشأن كل حال يطرأ في الوجود مما يوافق الغرض ويلائم الطبع ومما لا يوافق الغرض ولا يلائم الطبع وإن كان الأمر في ذلك من القابل لأنا رأينا ما يتضرر به زيد يلتذ به عمرو فعلمنا إن العلة في القابل وأن الأمر الآتي منه تعالى واحد العين لا انقسام فيه فينقسم فينا أمره ويتعدد ولما عم هذا الذكر جميع الأحوال فإن تحقق الذاكر الله به ما وضع له فهي دعوى فإن الله لا بد أن يبتلي الشخص الذي يذكر الله بهذا الذكر على هذا الحد فإن الدعوى تفتح باب الابتلاء في القديم والحديث إن فهمت وإن كان الذاكر به ما خطر له أصل وضعه بخاطر بل ذكر الله به لكونه مشروعا من غير وقوف مع السبب في وجوده وتشريعه فقد يبتليه الله وقد لا يبتليه وإن قيده هذا الذاكر أعني ذلك الذكر بأنه ثناء على الله لجهة الخير لا يقصد به أصل وضعه ولا يقوله بدعوى إنه الحامد ربه على كل حال وإنما يقول ذلك مخبرا أن الله محمود على كل حال فإنه ما من حال كما قررناه إلا وله وجه في الخلق إلى الالتذاذ به والتألم به فما من حال إلا ويحمد الله عليه حمد سراء وحمد ضراء ألا تراه في السراء كيف يقول الحمد لله المنعم المفضل فمن إنعامه وفضله إن جعل صاحب الضراء يحمد الله ولهذا يعافيه ويحول بينه وبين تلك الضراء لأن حمده شكر على هذا الإفضال وهو أن ألهمه واستعمله في حمد الله ولم يستعمله في الضجر والسخط فعافى باطنه بما ألهمه إليه من التحميد فزاده الله عافية بإزالة الضراء عنه وهذا معنى دقيق مندرج في الحمد لله على كل حال وإنه مساو لحمد السراء وهو الحمد لله المنعم المفضل وبزيادة وهذا من جوامع الكلم التي أوتيها رسول الله ص وتختلف أحوال الذاكرين الله بهذا التحميد فكل حامد به ينتج له بحسب قصده وعلمه وباعثه وقد فصلناه تفصيلا كما أنزله الحق عز وجل في قلوب الذاكرين الله به تنزيلا فهو حمد سراء وحمد ضراء والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب التاسع والستون وأربعمائة في حال قطب كان منزله وأفوض أمري إلى الله) إن الوجود منطق ومنطق * ومصدق ومصدق فتفكروا فالشئ يكذب نفسه فمكذب * ومكذب والعين لا تتكثر فلأي شئ يرجع الأمر الذي * قد قلته في أمرنا فتبصروا حتى تروه بالعيان ففوضوا * أمر الوجود إليه لا تتحيروا قال الله عز وجل لنبيه ص أن يقول لقومه حين ردوا دعوته فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله وهو من فاض ولا يفيض حتى يمتلئ فالفيض زيادة على ما يحمله المحل وذلك أن المحل لا يحمل إلا ما في وسعه أن يحمله وهو القدر والوجه الذي يحمله المخلوق وما فاض من ذلك وهو الوجه الذي ليس في وسع المخلوق أن يحمله يحمله الله فما من أمر إلا وفيه للخلق نصيب ولله نصيب فنصيب الله أظهره التفويض فينزل الأمر جملة واحدة وعينا واحدة إلى الخلق فيقبل كل خلق منه بقدر وسعه وما زاد على ذلك وفاض انقسم الخلق فيه على قسمين فمنهم من جعل الفائض من ذلك إلى الله تعالى فقال وأفوض أمري إلى الله وينسب ذلك الأمر إلى نفسه لأنه لما جاءه ما تخيل أنه يفضل عنه وتخيل أنه يقبله كله فلما لم يسعه بذاته رده إلى ربه ومنهم من لم يعرف ذلك فرجع الفائض إلى الله من غير علم من هذا الذي حصل منه ما حصل فهو إلى الله على كل وجه وما بقي الفضل إلا فيمن يعلم ذلك فيفوض أمره إلى الله فيكون له بذلك عند الله يد ومنهم من لا يعلم ذلك فليس له عند الله بذلك منزلة ولا حق بتوجه قال تعالى قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون أنما يتذكر أولوا الألباب واعلم أن العبد القابل أمر الله لا يقبله إلا باسم خاص إلهي وأن ذلك الاسم لا يتعدى حقيقته فهذا العبد ما قبل الأمر إلا بالله من حيث ذلك الاسم فما عجز العبد ولا ضاق عن حمله فإنه محل لظهور أثر كل اسم إلهي فعن الاسم الإلهي فاض لا عن العبد فلما فوضه بقوله وأفوض أمري إلى الله
(٩٨)