الحدود على المتعدي بأمر الحق لا بنفسه ولهذا ليس للعبد أن يوقت حدا ولا يشرعه وأما في الوعيد إذا لم يكن حدا مشروعا وكان لك الخيار فيه وعلمت إن تركه خير من فعله عند الله فلك أن لا تفي به وأن تتصف بالخلف فيه مثل قوله من حلف على يمين فرأى خيرا منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير قال تعالى ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا قال الشاعر وإني إذا أوعدته أو وعدته * لمخلف إيعادي ومنجز موعدي وإنما عوقب بالكفارة لأنه أمر بمكارم الأخلاق واليمين على ترك فعل الخير من مذام الأخلاق فعوقب بالكفارة وهو عندنا على غير الوجه الذي هو عند العامة من الفقهاء فإن الله قد جعل لنا عينا ننظره به وهو أن المسئ في حقنا الذي خيرنا الله بين جزائه بما أساء وبين العفو عنه أنه لما أساء إلينا أعطانا من خير الآخرة ما نحن محتاجون إليه حتى لو كشف الله الغطاء بيننا وبين ما لنا من الخير في الآخرة في تلك المساءة حتى نراه عيانا لقلنا إنه ما أحسن أحد في حقنا ما أحسن هذا الذي قلنا عنه إنه أساء في حقنا فلا يكون جزاؤه عندنا الحرمان فنعفو عنه فلا نجازيه ونحسن إليه مما عندنا من الفضل على قدر ما تسمح به نفوسنا فإنه ليس في وسعنا ولا يملك مخلوق في الدنيا ما يجازى به من الخير من أساء إليه ولا يجد ذلك الخير ممن أحسن إليه في الدنيا ومن كان هذا عقده ونظره كيف يجازي المسئ بالسيئة إذا كان مخيرا فيها فلما آلى وحلف من أسئ إليه فما وفي المسئ حقه وإن لم يقصد المسئ إيصال ذلك الخير إليه ولكن الايمان قصده فينبغي له أن يدعو له إن كان مشركا بالإسلام وإن كان مؤمنا بالتوبة والصلاح ولو لم يكن ثم إخبار من الله بالخير الأخروي لمن أسئ إليه إذا صبر ولم يجاز لكان المقرر في العرف بين الناس كافيا فيما في التجاوز والعفو والصفح عن المسئ فإن ذلك من مكارم الأخلاق ولولا إساءة هذا المسئ إلى ما اتصفت أنا ولا ظهرت مني هذه المكارم من الأخلاق كما أني لو عاقبته انتفت عني هذه الصفات في حقه وكنت إلى الذم أقرب مني إلى أن أحمد على العقاب فكيف والشرع قد جاء في ذلك بأن أجر من يعفو ويتجاوز ولا يجازي أنه على الله فقد علمت إن قوله وقتا وفيت ووقتا لم أف إن ذلك راجع للوعد والوعيد بوجه وراجع لما في خلق الله من الوفاء وعدم الوفاء من كونهم ما فعلوا الذي فعلوه إلا بمشيئة الله فهو بالأصالة إليه ولهذا قال فلا تعترض إلا أن يكون الحق هو المعترض بأمره إياك أن تعترض فاعترض فإنه لا فرق عند ذلك بين أن تعترض أو تقيم الحد إذا كنت من أولي الأمر فيمن عين لك أن تقيمه حتى لو تركته لكنت عاصيا مخالفا أمر الله فالمؤمن العالم المستبرئ لنفسه لا يفوته أمثال هذه المشاهد والمواقف فإنه لا يزال باحثا عن مكارم الأخلاق حتى يتصف بها ويقوم فيها قيام الأدباء الأمناء ويراعون الشريعة في ذلك فرب مكرمة عرفا لا تكون مكرمة شرعا فلا تجعل أستاذك إلا الحق المشروع فإذا أمرك فامتثل أمره وإذا نهاك فانته عما نهاك وإذا خيرك فاعمل الأحب إليه والأرجح والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب السادس والثلاثون وأربعمائة في معرفة منازلة لو كنت عند الناس كما أنت عندي ما عبدوني) لو أن جنسك والأكوان أجمعها * يدرون منك الذي أدريه ما عبدوا سواك إذ كنت مشهودا لهم وأنا * غيب ولولا وجود الغيب ما جحدوا إني حجبتك عن قوم بصورتك الدنيا * ولو علموا القصوى لما عبدوا أو أنهم علموا الأسماء ما وقفوا * مع المثال ولم يصرفهم الجسد ولا تغير أحوال تقوم بهم * ولا تراكب أضداد ولا عدد وكل ذلك مخصوص بصورتنا * وليس ينكره في ذاتنا أحد لكنهم غلطوا فينا وقام بهم * لمثلهم حين لم أعصمهمو حسد قال الله عز وجل وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين وقال إني جاعل في الأرض خليفة وقال لبعض خلفائه ولا تتبع الهوى ومن
(٤٧)