وإن ذكرتك بك فلا بد للنسبة من أثر لأن غاية شرف ذكري إياك أن أذكرك بك فتكون أنت الذاكر نفسك بلساني ونسبة الذكر إليك أكبر من نسبته إلي ولو كنت بك (فصل) في الذكر لا على طريق المفاضلة وينقسم أيضا الذاكرون به هنا على هذا الوجه إلى قسمين طائفة تمنع المفاضلة في الذكر لأنه عين كل ذاكر من حيث ما هو ذاكر فلا ترى ذاكرا إلا الله وهو من حيث هويته وعينه لا يقبل المفاضلة لأن الواحد لا يفضل نفسه فينتج له هذا الذكر على هذا الحد كشف هذا ذوقا فيتبين له أنه الحق عينه وطائفة أخرى وهم القسم الآخر لا يرون التفاضل إلا مع وجود المناسبة ولا مناسبة بين الله وبين خلقه فذكر الله نفسه ذكر وذكر العبد ربه ذكر كل على حقيقة لا يقال هذا الذكر أفضل ولا أكبر من هذا بل هو الذكر الكبير من غير مفاضلة لله تعالى وهو في حق العبد المذكور كبير عند العبد لا أكبر فإن العبد عبد لذاته والرب رب لذاته فلا يحجبنك ما تراه من تداخل الأوصاف فإن ذلك وإن كان حقيقة فكل حقيقة على ما هي عليه ما لها أثر في الأخرى يخرجها عما تقتضيه ذاتها فالحقائق لا تتبدل ولو تبدلت لارتفع العلم من الله ومن الخلق فإذا ذكر من هذه صفته أنتج له ذلك كشفا وذوقا إن الأمر كما نواه وقال به (فصل) في الذكر به من حيث ما هو ذكر مشروع (اعلم) أن الذاكر به على ما ذكرنا من كونه ذكرا مشروعا ينقسم إلى قسمين طائفة تذكره على أنه مشروع للخلق ويقولون بأن الله تعالى لما أوجد العالم ما خلقهم إلا ليعبدوه ويسبحوه فما من شئ إلا وهو يسبح بحمده ولكن لا نفقة تسبيحه وقال وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون فخلق العالم لعبادته فهؤلاء إذا ذكروا الله ذكروه من حيث إن الله شرع لهم كيف يذكرونه ولا يعلمون ما تحت ذلك الذكر المشروع عند الله وإن علموه في اللسان فينتج لهم هذا الذكر لما ذا شرعه الحق في العالم بهذا القول الخاص دون غيره أي ذكر كان والقسم الآخر يعتقد أن العالم ما اكتسب من الحق إلا الوجود وليس الوجود غير الحق فما أكسيهم سوى هويته فهو الوجود بصور الممكنات وما يذكره إلا موجود وما ثم إلا هو فما شرع الذكر إلا لنفسه لا لغيره فإن الغير ما هو ثم وهو عالم بما شرع فيفتح لصورة الممكن ما ذكرناه كشفا هذا الذكر وهو قولهم لا يذكر الله إلا الله ولا يرى الله إلا الله فالمفيد والمستفيد عين واحدة فهو ذاكر من حيث إنه قابل وهو مذكور من حيث إنه عين مقصودة بالذكر والعالم على أصله في العدم والحكم له فيما ظهر من وجود الحق فما ثم إلا الحق مجملا ومفصلا لأن المحدث إذا قرنته بالقديم لم يبق له أثر وإن بقي له عين فإن العين بلا أثر ما هي معتبرة ولهذا قلنا فيمن دل على معرفة الواجب لنفسه لا يتمكن له أن يثبت له أثرا حتى يعلم أن هذه الآثار الكائنة في العالم تحتاج إلى مستند لا مكانها فعند ذلك يقوم لهم البرهان على استنادها لواجب الوجود لنفسه وذلك كمال العلم فإن الكمال للمرتبة أي بالمرتبة والتمام بما ترجع إليه في نفسها أعني التام فينتج لهذا القسم هذا الذكر ما قررناه من أنه يستحيل أن يذكره إلا هو أو يسمع ذكره إلا هو أو يكون المذكور إلا هو ومن ذكرت به فهو المذكور لا أنت هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا حتى ذكر بربه فكان مذكورا بربه لا به وسيرد في باب الأسماء الإلهية ما يشفي في هذا النوع إن شاء الله تعالى من هذا الكتاب والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب السادس والستون وأربعمائة في معرفة حال قطب كان هجيره ومنزله سبحان الله) إن الوجود على التسبيح فطرته * فهو المنزه عن مثل وتشبيه وثم في ثان حال جاء يعلمنا * بأنه رب تشبيه وتنزيه له النقيضان فهو الكون أجمعه * بدري بذلك ذو فكر وتنبيه قال الله عز وجل فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وقد ورد الأمر بالتسبيح في القرآن في مواضع كثيرة ولكل موضع حكم ليس للآخر وتنقسم الطوائف في تسبيح الحق بحسب كل آية وردت في القرآن في التسبيح لولا التطويل أوردناها وتكلمنا على الذاكر بها (اعلم) أن هذا الذكر ينتج للذاكر به ما قاله أبو العباس بن العريف
(٩٢)