إلا هكذا في ذكره وذاكر قاعد وهو الذي يشهد من الحق استواءه على العرش وإنما قلنا ذلك لأن العالم مرآة الحق والحق مرآة الرجل الكامل وينعكس النظر في المرآة فيظهر في المرآة ما هو في المرآة الأخرى ولا يعرف ذلك إلا من رأى ذلك فيرى الحق في الخلق قيوميته بكونه قائما عليه بما كسب والحق مرآة للخلق وقد رأى الحق نفسه في خلقه فرأى الخلق في مرآة الحق صورة ما تجلى من الحق في مرآة الخلق فأدركوا الحق في الحق بوساطة مرآة الخلق فإن شهد الحق أي صفة شهد منه العبد تلك الصورة عينها على حد ما قلناه وإنما كان الجنوب يقرب الغيوب لأنها حالة النائم أو المريض وهو قريب من حضرة الخيال وهي محل الغيوب ومن ذلك الاكتفاء من الوفاء من اكتفى قد وفى بما يقوم به * وما يقوم له والاكتفاء وفا من ظن أن طريق الحق أهوية * جاءت به سبله فالذكر منه جفا قال لا يكون الاكتفاء من الوفاء إلا مع الموجود الحاضر صاحب الوقت فيكتفي به صاحبه في وقته ولا يحتاج إلى طلب الزائد فإنه لا بد منه هو يأتيك من غير طلب لأنه من المحال الإقامة على أمر واحد زمانين وإنما قال الحق تعالى لنبيه ص آمرا وقل رب زدني علما ينبهه وإيانا على أن ثم أمرا آخر زائدا على ما هو الحاصل في الوقت لنتهمم لقدومه وليظهر من العبد الافتقار إلى الله بالدعاء في طلب الزيادة فمن علم أنه لا بد من تحصيل الزائد وتأهب لقدومه فلا حاجة في هذا الموطن إلى الدعاء في تحصيله إلا إن الزائد غير معين عندك فإذا عينه الدعاء والحق يجيب فقد تعين عندك ما تدعوه فيه وهو الذي أمر الله به نبيه ص أن يزيده يطلبه علما به في كل ما يعطيه وهو وجه لحق في كل شئ ومن ذلك الاستغفار في الأسحار استغفر الله بالله الذي سجدت * له الجباة بآصال وأسحار فقال لي قائل منهم بان لهم * سرا يهيمهم في نغمة القاري قال السحر موضع الشبهة ما هو ظلمة محضة فيكون الجهل ولا هو نور محض فيكون العلم ولكنه سدفة وهو اختلاط الضوء والظلمة فلما كان الاختلاط وقع التشابه ولهذا نهينا عن اتباع المتشابه وذكر أنه ما يتبعه إلا من في قلبه زيغ أي ميل عن الحق الصراح فإن التخليص هو المطلوب فلذلك شرع الاستغفار في الأسحار أي طلب من الله التستر عن الميل إلى المتشابه بشرط أن لا يعرف أنه متشابه فإن علمت أنه متشابه ولم تتعد به حده ولا أخرجته بميلك إليه ونظرك فيه عن المتشابه فلا حرج عليك وإنما الخوف والحذر أن تلحقه بأحد الطرفين وما ذلك حقيقته وإنما حقيقته أن يكون له وجهان وجه إلى كل طرف وجه إلى الحل ووجه إلى الحرمة ويتعذر الفصل بين الوجهين وتخليصه إلى أحد الطرفين فهو عند العارف من المحكم بهذا الوجه لتميزه عن كل واحد من الطرفين فإذا اتبعته اتباع من لا يزيله عن حقيقته فما ثم زيغ ومن ذلك عناية العبادة موافقة الأمر الإرادة إن وافق الأمر الإرادة * لم يزل معبوده في عينه مشهودا فإذا تجلى نوره لعباده * من فورهم خر والديه سجودا قال الأمر الإلهي لا يخالف الإرادة الإلهية فإنها داخلة في حده وحقيقته وإنما وقع الالتباس من تسميتهم صيغة الأمر وليست بأمر أمر أو الصيغة مرادة بلا شك فأوامر الحق إذا وردت على ألسنة المبلغين فهي صيغ الأوامر لا الأوامر فتعصى وقد يأمر الآمر بما لا يريد وقوع المأمور به فما عصى أحد قط أمر الله وبهذا علمنا أن النهي الذي خوطب به آدم عن قرب الشجرة إنما كان بصيغة لغة الملك الذي أوحى إليه به أو الصورة فقيل عصى آدم ربه ومن ذلك لا يعول عليه إلا الفار منه إليه من كنت طوع يديه * فررت منه إليه ولم أجد منه بدا * لذا اتكلت عليه وقال الفرارون هم بحسب ما فروا إليه فما أوجب عليهم لفرار ما فروا منه وإنما أوجبه ما فروا إليه إذ لو عرفوا أنه ما ثم
(٤٣٠)