المؤمن فإن المؤمن يكره الموت والله يكره مساءة المؤمن فقال عن نفسه سبحانه ما ترددت في شئ أنا فاعله ترددي فأثبت لنفسه التردد في أشياء ثم جعل المفاضلة في التردد الإلهي فقال تعالى ترددي في قبض نسمة المؤمن الحديث فهذا مثل من يدعو نفسه لأمر ما ثم يتردد فيه حتى يكون منه أحد ما يتردد فيه والدعاء على نوعين دعاء بلسان نطق وقول ودعاء بلسان حال فدعاء القول يكون من الحق ومن الخلق ودعاء الحال يكون من الخلق ولا يكون من الحق إلا بوجه بعيد والإجابة للدعاء بلسان الحال على نوعين إجابة امتنان على الداعي وإجابة امتنان على المدعو فأما امتنانه على الداعي فقضاء حاجته التي دعاه فيها وامتنانه على المدعو فإنه بها يظهر سلطانه بقضاء حاجته فيما دعاه إليه وللمخلوق في قبوله ما يظهر فيه الاقتدار الإلهي رائحة امتنان ولهذه القوة الموجودة من من من على رسول الله ص بالإسلام فقال تعالى تأنيسا له يمنون عليك أن أسلموا ثم أمره أن يقول لهم فقال يا محمد قل لا تمنوا على إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين فتلك المنة الواقعة منهم إنما هي على الله لا على رسوله ص فإنهم ما انقادوا إلا إلى الله لأن الرسول ما دعاهم إلى نفسه وإنما دعاهم إلى الله فقوله لهم إن كنتم صادقين يعني في إيمانكم بما جئت به فإنه مما جئت به إن الهداية بيد الله يهدي بها من يشاء من عباده لا بيد المخلوق ثم إن النبي ص أبان عما ذكرناه من أن لهم رائحة في الامتنان أما والله لو شئتم أن تقولوا لقلتم وذكر نصرة الأنصار وكونهم أووه حين طرده قومه وأطاعوه حين عصوه قومه فأشبهوا فيما كان منهم بما قرره رسول الله ص من ذلك قوله تعالى لنبيه ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى ولما كانت النعم محبوبة لذاتها وكان الغالب حب المنعم حتى قالت طائفة إن شكر المنعم واجب عقلا جعل الله التحدث بالنعم شكرا فإذا سمع المحتاج ذكر المنعم مال إليه بالطبع وأحبه فأمره أن يتحدث بنعم الله عليه فقال وأما بنعمة ربك فحدث حتى يبلغ القاصي والداني وقال في الإنسان فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل يعني في العلم فلا تنهر ومن هذا الأمر ذكر أهل الله ما أنعم الله به عليهم من المعارف والعلم به والكرامات فإن النعم ظاهرة وباطنة وقد أسبغها على عباده كما قال وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة فهذا بعض ما يعطيه هذه الحضرة من الانفعال والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (حضرة السعة) إنما الواسع الذي * وسع الكل خلقه * فإذا ما خلا بنا * نازع الحق خلقه وزها بالذي بدا * من سنا الشمس أفقه * فهي فينا بنورها * وأنا فيه حقه يدعى صاحبها عبد الواسع قالت الملائكة ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما فقدمت الرحمة على العلم لأنه أحب أن يعرف والمحب يطلب الرحمة به فكان مقام المحب الإلهي أول مرحوم فخلق الخلق وهو نفس الرحمن وقال ورحمتي وسعت كل شئ فعم بكل كل مرحوم وما ثم إلا مرحوم ومن كان علمه بالشئ ذوقا وكان حاله فإنه يعلم ما فيه وما يقتضيه من الحكم وقد قال الترجمان ص إن المؤمن لا يكمل حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه وقد علمنا إن له الكمال وأنه المؤمن وأن العالم على صورته فقد ثبتت الأخوة بالصورة والايمان لأنه ما ثم إلا قائل به مؤمن مصدق بوجوده فإنه ما من شئ إلا يسبح بحمده وما من شئ إلا وسعته رحمته كما وسعه تسبيحه وحمده فهو الواسع لكل شئ ولهذا الاتساع هو لا يكرر شيئا في الوجود فإن الممكنات لا نهاية لها فأمثال توجد دنيا وآخرة على الدوام وأحوال تظهر وقد وسع كرسيه وهو علمه السماوات والأرض ووسعت رحمته علمه والسماوات والأرض وما ثم الا سماء وأرض فإنه ما ثم إلا أعلى وأسفل سبح اسم ربك الأعلى فلا أعلى بعده ولو دليتم بحبل لهبط على الله فلا أنزل منه وما بينهما فينزل إلى العلو الأدنى وهو السماء الأولى من جهتنا فإنها السماء الدنيا أي القريبة إلينا وما نزل ليعذب ويشقى بل يقول هل من داع فاستجيب له هل من سائل فأعطيه وما يخلو شئ من سؤال بخير في حق نفسه هل من تائب فأتوب عليه وما من شئ إلا ويرجع في ضرورته إذا انقطعت به الأسباب إليه هل من مستغفر فاغفر له وما من شئ إلا وهو مستغفر في أكثر أوقاته لمن هو إله ولم يقل إنه ينزل ليعذب عباده الذين نزل في حقهم ومن كان هذا نعته وعذب فعذابه رحمة بالمعذب وتطهير كعذاب الدواء للعليل
(٢٥٦)