لو لم يكن من ملكه إلا الذي * يوم القيامة في السعادة تشهد اعلم أن الملك والملكوت لهما الاسم الظاهر والباطن وهو عالم الغيب وعالم الشهادة وعالم الخلق وعالم الأمر وهو الملك المقهور فإن لم يكن مقهورا تحت سلطان الملك فليس بملك ومن كان باختيار ملكه لا باختيار نفسه في تصرفه فيه فليس ذلك بملك ولا ملك بل منزلة من هو بهذه المثابة في ملكه منزلة المتنفل في العبادة فهو عبد اختيار لا عبد اضطرار يعزل ملكه إذا شاء ويوليه إذا شاء والملك المجبور المضطر ليس كذلك فهو تحت سلطان الملك فإذا نفذ أمره في ظاهر ملكه وفي باطنه فذلك الملكوت وإن اقتصر في النفوذ على الظاهر وليس له على الباطن سبيل فذلك الملك وقد ظهرت هاتان الصفتان بوجود المؤمن والمنافق في اتباع الرسل صلوات الله عليهم فمنهم من اتبعه في ظاهره وباطنه وهو المؤمن المسلم ومنهم من اتبعه في ظاهره لا في باطنه وذلك المنافق ومنهم من اتبعه في باطنه لا في ظاهره فذلك المؤمن العاصي وما جعل الله للإنسان عينين إلا ليدرك بهما هاتين الصفتين عين حس وعين عقل بصيرة وبصر لأنه لما خلق من كل زوجين اثنين خلق لإدراكهما عينين ولما أضاف إلى نفسه الأعين بلفظ الجمع ليدل على الكثرة فكل عين حافظة مدركة لأمر ما بأي وجه كان فهي عين الحق الذي له الحفظ والإدراك فذلك سبب الجمع فيها فهو الحفيظ بنفسه وبخلقه * وهو العليم بما له من حقه بل وصف نفسه تعالى بالمشيئة والاختيار أثبت بذلك عندنا شرعا لا عقلا إن له تصرفا في نفسه وهذا حكم يحيله النظر العقلي بعين البصيرة على الله ويصححه الخبر الشرعي والعين البصري في اختلاف الصور عليه التي يتجلى فيها وبه ثبت يمحو الله ما يشاء ويثبت وإن يشاء يذهبكم ويأت بخلق جديد ولو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى ففي هذا كله وجه إلى أحدية متعلق الإرادة ووجه إلى التصرف في التعلق والتصرف في التعلق تصرف في الإرادة والإرادة إما ذاته على مذهب نفاة الزائد وإما صفته على مذهب مثبتي الصفات زائدة والصحيح في غير هذين القولين وهو أن الإرادة ليست بأمر زائد على الذات ولا هي عين الذات وإنما هي تعلق خاص للذات أثبته الممكن لإمكانه في القبول لأحد الأمرين على البدل لولا معقولية هذين الأمرين ومعقولية القبول من الممكن ما ثبت للإرادة ولا للاختيار حكم ولا ظهر له في العبارات اسم فمن حضر مع الحق في حضرة الملك والملكوت ولم يعرف العالم ولا ما هو ولا عرف نسبته من الحق ولا نسبة الحق منه فما حضر في هذه الحضرة بوجه من الوجوه ولا كان له حظ في الاسم الملك (حضرة التقديس وهو الاسم القدوس) من طهر النفس التي لا تنجلي * أعلامها فينا يكن قدوسا ويرد ملكا طاهرا ذا عفة * من كان في تصريفه إبليسا إلى القدوس أعملت المطايا * لا حظي بالزكاة وبالطهور وبالعرش المحيط وساكنيه * وبالأمر العلى من الأمور فإن القدس ليس له نظير * به أحيى له وبه نشوري وإن الحق ليس به خفاء * وصدر الحق منا في الصدور سبوح قدوس مطهر من الأسماء النواقص والأسماء النواقص هي التي لا تتم إلا بصلة وعائد فإن من أسمائه سبحانه الذي وما في قوله الذي خلق السماوات والأرض وفي قوله الذي خلق الموت والحياة وأما ما في قوله تعالى والسماء وما بناها في بعض وجوه ما في هذا الموضع فإن ما قد تكون هنا مصدرية وقد تكون بمعنى الذي فتكون ناقصة فتكون هنا اسما لله عز وجل فاعلم إن الله لما خلق الأسباب وجعلها الظاهرة لعباده وفعل المسببات عندها وتخيل الناظرون أنها ما خلقت إلا بها وهذا هو الذي أضل الخلق عن طريق الهدى والعلم وحجبهم عن
(٢٠١)