(الباب السابع والأربعون وأربعمائة في معرفة منازلة من دخل حضرة التطهير نطق عني) إذا طهر العبد من كونه * يكون الآلة هو الناطق كمثل المصلي إذا قام من * ركوع الصلاة هو الصادق ينوب عن الحق في نطقه * فليس يقوم به عائق فكل كلام له صادق * وكل شراب له رائق قال الله تعالى يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون يعني بها ولا تشهد إلا بالأجنبية إذ لا بد من شهود عليه وإن لم يكن على ما قلناه وكان عين الشاهد عين المشهود عليه فهو إقرار لا شهادة وما ذكر الله تعالى أنه إقرار فدل على إن الجوارح ارتبطت بالنفس الناطقة ارتباط الملك بمالكه كما هو الأصل عليه والأصل هو الحق ولم يزل في أزله مدبرا فلا بد أن يكون تدبيره في مدبر معين له أزلا وليس إلا أعيان الممكنات فهي مشهودة له في حال عدمها فإنها ثابتة فيدبر فيها ما يكون من تقدم بعضها على بعض وتأخرها في تكوين أعيانها وصور ما توجد فيها وهنالك هو سر القدر الذي أخفى الله تعالى علمه عن خلقه حتى يظهر الحكم به في الصور الموجودة في رأى العين فكذلك لما أراد الله إنشاء الأرواح المدبرة فهي لا تكون إلا مدبرة فإن لم يكن لها أعيان وصور يظهر تدبيرها فيها بطلت حقيقتها إذ هي لذاتها مدبرة هكذا هو الأمر عند أهل الكشف وهنا سر عجيب غريب أومئ إليه إن شاء الله في هذا التفصيل فنقول إن الله أنشأ هذه الصور الجسدية من نور ونار وتراب وماء مهين على اختلاف أصول هذه النشأة المتعددة فعند ما كملت التسوية في الصورة التي هي محل تدبير الأرواح المدبرة أنشأ الله منها أي من قبولها ما ينفخ فيها من أوجدها وهو الفيض الدائم أرواحا مدبرة لها قائمة بها على صورة قبولها فتفاضلت الأرواح لتفاضل النشآت فلم يكونوا على مرتبة واحدة إلا في كونهم مدبرين فالأرواح المدبرة إنما ظهرت بصور مزاج القوابل فلا تتعدى الأرواح في التدبير ما تقتضيه إلهيا كل المدبرة فانظر إلى أعيان الممكنات قبل ظهورها في عينها لا يمكن أن يظهر الحق فيها إلا بصورة ما تقبله فما هي على صورة الحق في الحقيقة وإنما المدبر على صورة المدبر إذ لا يظهر فيه منه إلا على قدر قبوله لا غير فليس الحق إلا ما هو عليه الخلق لا يرى من الحق ولا يعلم غير هذا وهو في نفسه على ما علم وله في نفسه ما لا يصح أن يعلم أصلا وذلك الأمر الذي لا يعلم أصلا هو الذي له بنفسه المشار إليه بقوله والله غني عن العالمين وهذا الذي نبهناك عليه من العلم بالله تعالى ما أظهرناه باختبارنا ولكن حكم الجبر به علينا فتحفظ به ولا تغفل عنه فإنه يعلمك الأدب مع الله تعالى ومن هذا المقام نزل قوله تعالى وما أصابك من سيئة فمن نفسك أي ما أعطيتك إلا على قدر قبولك فالفيض الإلهي واسع لأنه واسع العطاء فما عنده تقصير ومالك منه إلا ما تقبله ذاتك فذاتك حجرت عليك هذا الواسع وأدخلتك في الضيق فذلك القدر الذي حصل تدبيره فيك هو ربك الذي تعبده ولا تعرف إلا هو وهذه هي العلامة التي يتحول لك فيها يوم القيامة على الكشف وهي في الدنيا في العموم على الغيب يعلمها كل إنسان من نفسه ولا يعلم أنها المعلومة له ولهذا تقول العامة إن الله ما عودني إلا كذا وكذا فإذا فهمت هذا علمت أن الحق معك على ما أنت عليه ما أنت معه وقد نبهك على هذا في القرآن بقوله تعالى وهو معكم أينما كنتم ما أنتم معه ولا يصح أن يكون أحد مع الله فالله مع كل أحد بما هو عليه ذلك الواحد من الحال فانظر إلى أفراد العالم فما تراه فيه فذلك عين الحق لا غيره فليس وراء هذا الكشف كشف * ولا من بعد هذا الوصف وصف فسبحان الذي يبدو ويخفى * وشاهده بذا شرع وعرف فلا يصح التجريد عن التدبير لأنه لو صح بطلت الربوبية وهي لا تبطل فالتجريد محال فلا مستند للتجريد لأنك لا تعقل إلهك إلا مدبرا فيك فلا تعرفه إلا من نفسك فلا بد أن تكون على تدبير فلا بد من جسم وروح دنيا وآخرة كل دار بما يليق بها من النشآت وتتنوع أرواحها لتنوعها صورة الخلق والحق كما تقدم ذكره في هذا الكتاب في هذا المعنى في الترجمة عن الحق كن كيف شئت فإني كما تكون أكون هكذا هو الأمر في عينه والله يقول الحق
(٦٢)