فيعذبه الطبيب رحمة به لا للتشفي ثم اتساع العطاء فإنه أعطى الوجود أولا وهو الخير الخالص ثم لم يزل يعطي ما يستحقه الموجود مما به قوامه وصلاحه كان ما كان فهو صلاح في حقه ولهذا أضاف العارف به المترجم عنه كلمة الحضرة ولسان المقام الإلهي رسوله ص الخير إليه فقال والخير كله في يديك ونفي الشر أن يضاف إليه فقال والشر ليس إليك وقد بينا أنه ما ثم معط إلا الله فما ثم إلا الخير سواء سر أم ساء فالسرور هو المطلوب وقد لا يجئ إلا بعد إساءة لما يقتضيه مزاج التركيب وقبول المحل لعوارض تعرض في الوجود وكل عارض زائل ولهذا يسمى بالمعطي والمانع والضار والنافع فعطاؤه كله نفع غير إن المحل في وقت يجد الألم لبعض الأعطيات فلا يدرك لذة العطاء فيتضرر بذلك العطاء ولا يعلم ما فيه من النفع الإلهي فيسميه ضارا من أجل ذلك لعطاء وما علم إن ذلك من مزاج القابل لا من العطاء ألا ترى الأشياء النافعة لأمزجة ما كيف تضر بأمزجة غيرها قال الله في العسل إنه شفاء للناس فجاء رجل لرسول الله ص فقال له إن أخي استطلق بطنه فقال اسقه عسلا فسقاه عسلا فزاد استطلاقه فرجع فأخبره فقال اسقه عسلا فزاد استطلاقه وما علم هذا الرجل ما علمه رسول الله ص من ذلك فإنه كان في المحل فضلات مضرة لا يمكن إخراجها إلا بشرب العسل فإذا زالت عنه أعقبته العافية والشفاء فلما رجع إليه قال له يا رسول الله سقيته عسلا فزاد استطلاقه فقال صدق الله وكذب بطن أخيك اسقه عسلا في الثالثة فسقاه فبرئ فإنه استوفى خروج الفضلات المضرة وكالذي يغلب على العضو الحامل للطعم المرة الصفراء فيجد العسل مرا فيقول العسل مر فكذب المحل في إضافة المرارة إلى العسل لأنه جهل إن المرة الصفراء هي المباشرة لعضو الطعم فأدرك المرارة فهو صادق في الذوق والوجدان كاذب في الإضافة فألقوا بل أبدا هي التي لها الحكم فما من الله إلا الخير المحض كله فمن اتساع رحمته إنها وسعت الضرر فلا بد من حكمه في المضرور فالضرر في الرحمة ما هو ضرر وإنما هو أمر خير بدليل أنه بعينه إذا قام بالمزاج الموافق له التذ به وتنعم وهو هو ليس غيره فالأشياء إلى الله إنما تضاف إليه من حيث إنها أعيان موجودة عنه ثم حكم الالتذاذ بها أو غير الالتذاذ إنما هو راجع إلى القابل ولو علم الناس نسبة الغضب إلى الله لعلموا أن الرحمة تسع الكل فإن القادر على إزالة الألم عن نفسه لا يتركه فقامت الأحوال من الخلق والمواطن للحق مقام المزاج للحيوان فيقال في الحق إنه يغضب إذا أغضبه العبد ويرضى إذا أرضاه العبد فحال العبد والموطن يرضى الحق ويغضبه كالمزاج للحيوان يلتذ بالأمر الذي كان بالمزاج الآخر يتألم به فهو بحسب المزاج كما هو الحق بحسب الحال والمواطن ألا ترى في نزوله إلى السماء الدنيا ما يقول فإنه نزول رحمة يقتضيها الموطن وإذا جاء يوم القيامة يقتضي المواطن أنه يجئ للفصل والقضاء بين العباد لأنه موطن يجمع الظالم والمظلوم وموطن الحكم والخصومات فالحكم للمواطن والأحوال في الحق والحكم في التألم والالتذاذ والتلذذ للمزاج إن ربك واسع المغفرة أي واسع الستر فما من شئ إلا وهو مستور بوجوده وهو الستر العام فإنه لو لم يكن ستر لم يقل عن الله هو ولا قال أنت فإنه ما ثم إلا عين واحدة فأين المخاطب أو الغائب فلهذا قلنا في الوجود إنه الستر العام ثم الستر الآخر بالملائم وعدم الملائم فهو واسع المغفرة وهي حضرة إسبال الستور وقد تقدم الكلام عليها في هذا الباب ثم قال هو أعلم بمن اتقى والستر وقاية والغفران هو الستر فالعبد يتقي بالستر ألم البرد والحر إذا علم من مزاجه قبول ألم الحر والبرد فإن الحر والبرد ما جاء إلا لمصالح العالم ليغذي النبات الذي هو رزق العالم فيبرزه لينتفع به فيكون جسم الحيوان على استعداد يتضرر به فيقول إني تأذيت بالحر والبرد وإذا رجع مع نفسه لما قصد بهما بحسب ما يعطيه الفصول علم أنه ما جاء إلا لنفعه فتضرر بما به ينتفع والغفلة أو الجهل سبب هذا كله والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الحكيم حضرة الحكمة) إن الحكيم الذي ميزانه أبدا * بالرفع والخفض منعوت وموصوف يرتب الأمر ترتيبا يريك به * علما وفيه إذا فكرت تعريف بأنه الله فرد لا شريك له * في ملكه وله في الخلق تصريف ميزانه الحق لا خسران يلحقه * ولا يقوم به في الوزن تطفيف
(٢٥٧)