كما ورد كذلك ورد الصبور ولكل وارد معنى ما هو عين الآخر فتتغير الأحوال على العارفين تغير الصور على الحق ولولا ذلك ما تغيرت الأحكام في العالم لأنها من الله تظهر في العالم وهو موجدها وخالقها فلا بد من قيام الصفة به وحينئذ يصح وجودها منه كان الموجد اسم فاعل ما كان وكان الموجد اسم مفعول ما كان فإن لم تعلم التفويض كما ذكرته لك وإلا وقعت في إشكال لا تنحل منه أعني في العلم بالتفويض ما هو فهذا نسبته إلى المخلوق وأما التفويض الإلهي وهو أن يكون هو المفوض أمره إلى عباده فيه فإنه كلفهم وأمرهم ونهاهم فهذا تفويض أمره إلى عباده فإنه فاض عما يجب للحق لأن التكليف لا يصح في حق الحق فلما فاض عنه لم يكن إفاضته إلا على الخلق وأراد منهم أن يقوموا به حين رده إليهم كما يقوم الحق به إذا فوض العبد أمره إلى الله فمنهم من تخلق بأخلاق الله فقبل أمره ونهيه وهو المعصوم والمحفوظ ومنهم من رده ومنهم من قبله في وقت وفي حال ورده في وقت وفي حال وكذلك فوض إليهم أمره في القول فيه فاختلفت مقالاتهم في الله ثم أبان لهم على ألسنة رسله ما هو عليه في نفسه لتقوم له الحجة على من خالف قوله فقال في الله ما يقابل ما قاله عن نفسه فلما اختلفت المقالات تجلى لأهل كل مقالة بحسب أو بصورة مقالته وسبب ذلك تفويضه أمره إليهم وإعطاؤه إياهم عقولا وأفكارا يتفكرون بها وأعطى لكل موف حقه في الاجتهاد بنظره نصيبا من الأجر أخطأ في اجتهاده أو أصاب فإنه ما أخطأ إلا المقالة الواردة في الله بلسان الشرع خاصة فحاد عنها بتأويل فيها أداه إليه نظره وورد شرع أيضا يؤيده في ذلك فما ترك المقالة من حيث عليها وإنما استند فيما ذهب إليه لأمر مشروع ودليل عقل وكونه أصاب أو أخطأ ذلك أمر آخر زائد على كونه اجتهد فإنه ما يطلب باجتهاده إلا الدليل الذي يغلب على ظنه أنه يوصله إلى الحق والإصابة لا غير فتكليفه عين تفويضه * فنحن وإياه فيه سوا فتسبيحنا عين تسبيحه * وتسبيحه بلسان السوي وكل امرئ إنما حظه * من الذكر لله ما قد نوى فتفويضه في قوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه وتفويضنا إذ أمرنا أن نتخذه وكيلا فيما استخلفنا فيه فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولما كان العالم تحت حكم الأسماء الإلهية وهي أسماؤه فما تلقى تفويضه إلا هو لا نحن فإنه بأسمائه تلقيناه فهو الباطن من حيث تفويضه وهو الظاهر من حيث قبوله فكان الأمر بيننا كما تنزل الأمر بين السماء وهو العلى وبين الأرض وهي الذلول فهكذا الأمر فلا تخفه * فإنه أوضحه كونه * وشاهد الحق به ناطق * فإنه في كونه عينه وهو ما ذكرناه من أنه ما تلقى تفويض الحق إلا اسمه فهو المكلف والمكلف لأنه قال وإليه يرجع الأمر كله فهو عين الموجودات إذ هو الوجود والله يقول الحق وهو يهدي السبيل والكلام في هذا الباب يطول ويتداخل وينعطف بعضه على بعض فيظهر ويخفى فإنه الله الذي لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا (الباب السبعون وأربعمائة في حال قطب كان منزله وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) كما أعطاك خلقك من حباكا * فأعط ما خلقت له كذاكا وإن لم تعطه فالخلق يعطي * وليس يكون مشكورا هناكا وحق الحق أولى يا وليي * بأن يقضي به وحي أتاكا فإن تبلغ مناه كما تمنى * يبلغك الإله به مناكا قال الله تعالى وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وقضاؤه لا يرد علمنا إن نتيجة هذا الذكر شهود هذه الآية بلا شك فإن الحق هو الوجود والأشياء صور الوجود فارتبط الأمر ارتباط المادة بالصورة والعبادة ذلة بلا شك في اللسان المنزل به هذا القرآن والأمر إذا ارتبط بين أمرين لا يمكن لكل واحد منهما أن يكون عنه ذلك الأمر إلا بارتباطه بالأمر
(١٠٠)