والشئ لا يكلف نفسه فلا بد من محل يقبل الخطاب ليصح ومن وجه نثبت الأفعال للمخلوق بما تطلبه حكمة التكليف والنفي يقابل الإثبات فرمانا هذا النظر في الحيرة كما رمانا التنزيه والحيرة لا تعطي شيئا فالنظر العقلي يؤدي إلى الحيرة والتجلي يؤدي إلى الحيرة فما ثم إلا حائرة وما ثم حاكم إلا الحيرة وما ثم إلا الله كان بعضهم إذا تقابلت عنده هذه الأحكام في سره يقول يا حيرة يا دهشة يا حرقا لا يتقرى وما هذا الحكم لحضرة أخرى غير هذه الحضرة الإلهية (الحضرة الربانية وهي الاسم الرب) الرب مالكنا والرب مصلحنا * والرب ثبتنا لأنه الثابت لولا وجودي وكون الحق أوجدني * ما كنت أدري بأني الكائن الفائت فالحق أوجدني منه وأيدني * به لذلك ادعى الناطق الصامت ولها خمسة أحكام الثبوت على التلوين والسلطان على أهل النزاع في الحق والنظر في مصالح الممكنات والعبودة التي لا تقبل العتق وارتباط الحياة بالأسباب المعتادة فأما الثبوت على التلوين فهو في قوله كل يوم هو في شأن وقوله يقلب الله الليل والنهار فما من نفس في العالم إلا وفيه حكم التقليب ألا ترى إلى الشمس التي هي علة الليل والنهار تجري لا مستقر لها ليلا ولا نهارا ألا ترى إلى الكواكب كل في فلك يسبحون ما قال يستقرون في ثلاثمائة وستين درجة كل درجة بل كل دقيقة بل كل ثانية بل كل جزء لا يتجزأ من الفلك إذا أنزل الله فيه أي كوكب كان من الكواكب يحدث الله عند نزوله في كل جوهر فرد من عالم الأركان ما لا يعرف ما هو إلا الله الذي أوجده ويحدث في الملأ الأوسط من الأرواح السماوية التي تحت مقعر فلك البروج من العلوم بما يستحقه الحق عز وجل من المحامد على ما وهبهم من المعارف الإلهية كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون والذين في هذا الملأ هم أهل الجنان وفي عالم الأركان وفي بعض هذا الملأ هم أهل النار الذين هم أهلها ويحدث في الملأ الأعلى وهو ما فوق فلك البروج إلى معدن النفوس والعقول إلى العماء من العلوم التي تعطيها الأسماء الإلهية ما يؤديهم إلى الثناء على الله بما ينبغي له تعالى من حيث هم لا من حيث الأسماء فإن الأسماء الإلهية أعظم إحاطة مما هم عليه فإن تعلقها في تنفيذ الأحكام غير متناه وأما السلطان الذي لهذه الحضرة على أهل النزاع في الحق فهو إن المقالات اختلفت في الله اختلافا كثيرا من قوة واحدة وهي الفكر في أشخاص كثيرين مختلفي الأمزجة والأمشاج والقوي ليس لها من يمدها إلا مزاجها الطبيعي وحظ كل شخص من الطبيعة ما يعطيه من المزاج الذي هو عليه فإذا أفرغت قوتها فيه حصل له استعداد به يقبل نفخ الروح فيه فيظهر عن النفخ وتسوية الجسم الطبيعي صورة نورية روحانية ممتزجة بين نور وظلمة ظلمتها ظل ونورها ضوء فظلها هو الذي مده الرب فهو رباني ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ونورها ضوء لأن استنارة الجسم الطبيعي إنما كان بنور الشمس وقد ذكر الله أنه جعل الشمس ضياء وجعل القمر نورا فلهذا جعلنا نورها ضوءا من أجل الوجه الخاص الذي لله في كل موجود أو من كون إفاضة الضوء على مرآة الجسم المسوي فظهر في الانعكاس ضوء الشمس كظهوره من القمر فلذا سمينا الروح الجزئي نورا لأن الله جعل القمر نورا فهو نور بالجعل كما كانت الشمس ضياء بالجعل وهي بالذات نور والقمر بالذات محو فللقمر الفناء وللشمس البقاء فللقمر الفناء بكل وجه * وللشمس الإضاءة والبقاء وللوجه الجميل بكل حسن * لنا منه البشاشة واللقاء حمينا حسنه من كل عين * كما يحمى من الشجر اللحاء نزلنا بالسماء على وجود * له العرش المحيط له العماء له الإقبال والإدبار * فيناله حكم السنا وله السناء إذا يدنو فمجلسه رحيب * وإن يعلو بنا فلنا الثناء له حكم الإرادة في وجودي * هو المختار يفعل ما يشاء
(١٩٨)