بسم الله الرحمن الرحيم (الحميد حضرة الحمد) أنت الحميد اسم مفعول لحامدنا * وفاعل ولهذا أنت محمود وحامد فإذا جئنا لنحمده * هو الشهيد لنا والقلب مشهود من غير كيف ولا كم ولا شبه * وليس يأخذه حصر وتحديد إني لأعبده بي لا به فأنا * بالله أعبده والله معبود إني لأعرفه إذا أشبهه * شرعا وعقلا فاطلاق وتقييد يدعى صاحبها عبد الحميد وهو فعيل فعم اسم الفاعل بالدلالة الوضعية واسم المفعول فهو الحامد والمحمود وإليه ترجع عواقب الثناء كلها ومحمد ص بيده لواء الحمد فلآدم ع علم الأسماء ولمحمد ص علم الثناء بها والتلفظ بالمقام المحمود فأعطى في القيامة لأجل المقام المحمود العمل بالعلم ولم يعظ لغيره في ذلك الموطن فصحت له السيادة فقال آدم فمن دونه تحت لوائي وما له لواء إلا الحمد وهو رجوع عواقب الثناء إلى الله وهو قوله الحمد لله لا لغيره وما في العالم لفظ لا يدل على ثناء ألبتة أعني ثناء جميلا وإن مرجعه إلى الله فإنه لا يخلو أن يثني المثنى على الله أو على غير الله فإذا حمد الله فحمد من هو أهل الحمد وإذا حمد غير الله فما يحمده إلا بما يكون فيه من نعوت المحامد وتلك النعوت مما منحه الله إياها وأوجده عليها إما في جبلته وإما في تخلقه فتكون مكتسبة له وعلى كل وجه فهي من الله فكان الحق معدن كل خير وجميل فرجع عاقبة الثناء على المخلوق بتلك المحامد على من أوجدها وهو الله فلا محمود إلا الله وما من لفظ يكون له وجه إلى مذموم إلا وفيه وجه إلى محمود فهو من حيث إنه محمود يرجع إلى الله ومن حيث ما هو مذموم لا حكم له لأن مستند الذم عدم فلا يجد متعلقا فيذهب ويبقى الحمد لمن هو له فلا يبقى لهذا اللفظ المعين إلا وجه الحمد عند الكشف ويذهب عنه وجه الذم أي ينكشف له أن لا وجه للذم ولقد أخبرني في هذا اليوم الذي قيدت فيه هذه الحضرة في هذا الكتاب صاحبنا سيف الدين ابن الأمير عزيز رحمه الله أنه رأى والي البلد يضرب إنسانا ضربا مبرحا فوقف في جملة الناس وهو يمقت الوالي في نفسه لضربه ذلك الشخص فأخذ عن نفسه فشاهد الوالي مثله واحدا من الجماعة ينظر إلى المضروب مثل ما تنظر إليه الجماعة والآمر بالضرب ليس الوالي فعذره وسرى عنه وانصرف وكان سبب هذه الحكاية أن الوالي جار عليه في حكومة فقلت له ارفعه إلى السلطان فقال لي ما بيد الوالي شئ ثم ذكر لي ما رأى وهكذا الأمر في نفسه فهذا شخص قد كان مع الحجاب ينسب الجور إلى الوالي فلما كشف الله عن بصره الغطاء زال كون ذلك جورا عنده وقام عذر الجائر عنده فصار حمد أو ثناء خير وبرئت ساحة من أضيف الذم إليه فعادت عواقب الثناء إلى الله عز وجل ألا تراه يقول يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله وقد افتقر إلى مذموم ومحمود ودخل تحت مسمى الله ثم قال والله هو الغني يقول الذي لا يفتقر الحميد أي الذي ترجع إليه عواقب الثناء من الحامد والمحمود وإن كان مذموما بنسبة
(٢٨٦)