الايمان من الشك القائم به إن الأمر الذي هو فيه من الشرع ما هو على ما يعطيه الظاهر هذا هو البلاء المبين وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس يعني من المخالفات والذي يبدو لله من باطنه خلاف هذا من نور الايمان والصدق مع الله في إن هذا الحال التي هو عليها مخالف لأمر الله فيبكي باطنا ويخالف ظاهرا فيبدو لله منه ما لا يبدو للناس فقد أبان ص في هذا الخبر ما الناس عليه في أنفسهم ثم لتعلم إن في ترجمة هذه المنازلة من الحق إشارة لطيفة المعنى في استفهامه عز وجل عما هو به عالم مثل قوله لملائكته كيف تركتم عبادي والملائكة تعلم أنه تعالى أعلم بعباده منهم ألا يعلم من خلق وجميع ما هم فيه خلقه تعالى وهو اللطيف بسؤاله الخبير بما سأل عنه لأنه واقع فكل علم عنده عن وقوع فهو به خبير وتعلقه به قبل وقوعه هو به عليم فمن أدب الملائكة لعلمهم بما قصد الحق منهم أجابوه تعالى فقالوا تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون لأن عروج الملائكة عنهم ونزولهم عليهم كان عند صلاة العصر وصلاة الصبح كذا ورد الخبر فأقول مجيبا للحق عرفتهم لما عرفت آدابك فنسبتهم إليك فقلت هؤلاء أولياء الله وعلامتهم إذا رأوا ذكر الله لتحققهم بالله وليس إلا العبودة المحضة الخالصة التي لا تشوبها ربوبية بوجه من الوجوه فهذه آدابك وكل نعت يرى فيهم فيه رائحة ربوبية فهو أدب الخلافة لا أدب الولاية فالولي ينصر ولا ينتصر والخليفة ينتصر وينتصر والزمان لا يخلو من منازع والولي لا يسامح فإن سامح فليس بولي ولا يؤثر على جناب الحق شيئا فهو كله لله والخليفة هو لله في وقت وللعالم في وقت فوقتا يرجح جناب الحق غيرة ووقتا يرجح جناب العالم فيستغفر لهم مع ما وقع منهم مما يغار له الولي وهؤلاء هم المفردون الذين تولى الله آدابهم بنفسه يقول الخليفة لأزيدن على السبعين في وقت ويدعو على رعل وذكوان وعصية في وقت وأين الحال من الحال فالخليفة تختلف عليه الأحوال والولي لا تختلف عليه الحال فالولي لا يتهم أصلا والخليفة قد يتهم لاختلاف الحال عليه فما يدعي دعوى إلا وعجزه يكذبه مع صدقه حال آخر يبدو منه فآداب الأولياء آداب الأرواح الملكية ألا ترى إلى جبريل ع يأخذ حال البحر فيلقمه في فم فرعون حتى لا يتلفظ بالتوحيد ويسابقه مسابقة غيرة على جناب الحق مع علمه بأنه قد علم أنه لا إله إلا الله وغلبه فرعون فإنه قال كلمة التوحيد بلسانه كما أخبر الله تعالى عنه في الكتاب العزيز والخليفة يقول لعمه قلها في أذني أشهد لك بها عند الله وهو يأبى وأين هذا الحال من حال قول الخليفة الآخر رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ولعلهم لو طال عليهم الأمد لرجعوا أو في أصلابهم من يؤمن بالله فتقربه أعين المؤمنين فآداب الأولياء غضب في المغضوب عليهم لا رجوع فيه ورضاء في المرضي عنهم لا رجوع فيه فإن ذلك أدب الحق والحق الواقع الواجب وقوعه وآداب الخلفاء الرضاء في المرضي عنهم والعفو وقتا والغضب وقتا في المغضوب عليهم ولهذا خص الأولياء دون غيرهم في قوله هل عرفت أوليائي والكل أولياء ولكن أولياء الأسماء الإلهية وهؤلاء أولياء الإضافة فهم أولياء إنية لا أولياء أسماء وسأعرفك بالفرق بين أسماء الكنايات والأسماء الظاهرة إن شاء الله في باب الأسماء من آخر هذا الكتاب والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب السادس والأربعون وأربعمائة في معرفة منازلة في تعمير نواشئ الليل فوائد الخيرات) نواشئ الليل فيها الخير أجمعه * فيها النزول من الرحمن بالكرم يدنو إلينا بنا حتى يساعدنا * بما يدليه من طرائف الحكم فالكل يعبده والكل يشكره * إلا الذي خص بالخسران والنقم إن الولي تراه وقت غفلته * يبكي ويدعوه في داج من الظلم يا رب يا رب لا يبغي به بدلا * خلقا عظيما كما قد جاء في القلم قال الله تعالى وإنك لعلى خلق عظيم وقال إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا ولما سألت عائشة عن خلق رسول الله ص قالت كان خلقه القرآن وإنما قالت ذلك لأنه أفرد الخلق ولا بد أن يكون ذلك الخلق المفرد جامعا لمكارم الأخلاق كلها ووصف الله ذلك الخلق بالعظمة كما وصف القرآن في قوله والقرآن العظيم فكان القرآن
(٦٠)