(حضرة الجبروت وهي للاسم الجبار) الجبر أصل يعم الكون أجمعه * فما ترى غير مجبور لمجبور العلم يجبر من كنا نعظمه * وهذه نفثة من صدر مصدور لولاه ما وجدت أعياننا وبدت * أكواننا بين مطوي ومنشور والمتخلق بهذا الاسم يسمى عبد الجبار هذه الحضرة لها الإجبار في الأعزاء ولا أثر لها إلا فيهم فحضرتها عظيمة في الفعل ولكن لا أثر لها في الأعزاء من جهة المعنى الذي وقعت للأشياء به العزة لا أثر لها في ذلك ولكن أثرها في الأعزاء لقبولهم لما لا عزة لهم فيه ومن هنالك يقبلون التأثير فاعلم ذلك اعلم أن العزيز إذا نظر إلى ما هو به عزيز وإنه من المحال قبوله للتأثير فيه من ذلك الوجه ولا يعلم عند شهوده ذلك أن فيه ما يقبل التأثير من غير هذا الوجه فيدعي المنع وأنه في حمى لا ينتهك فهنا يظهر حكم الجبروت في الملكوت فإذا أحس العزيز بالجبر نظر عند ذلك من أين أتى عليه فما ظهر له إلا من جهله بذاته وإنه مركب من حقائق تقبل التأثير وحقائق لا تقبل التأثير فإن كان عاقلا بادر ليحصل له الثناء في تلك المبادرة ويبقى الامتناع في باب الاحتمال عند الأجنبي عن مشاهدة هذه الحقائق وإن تعاظم حكم الجبر عليه فيتصرف فيه في اختياره وهو أعظم الحجب وأكثفها فمن شاهد الجبر في الاختيار علم إن المختار مجبور في اختياره فليس للجبروت حكم أعظم من هذا الحكم ومن دخل هذه الحضرة وكانت حاله عظم إحسانه في العالم حتى ينفعل له جميع العالم بل ينفعل له الوجود كله اختيارا من المنفعل وهو عن جبر لا يشعر به كل أحد فهو جبر الإحسان والتواضع فإنه يدعوه إلى الانقياد إليه أحد أمرين في المخلوقين بل في الموجودات وهو الطمع أو الحياء فالطامع إذا رأى الإحسان ابتداء من غير استحقاق أطمعه في الزيادة منه إذا جاء إليه بما يمكن أن يكون معه الإحسان وإنما تفعل النفس ذلك حتى يكون الإحسان جزاء وفاقا لأنها تكره المنة عليها لما خلقت وجبلت عليه النفوس من حب النفاسة وصاحب الحياء يمنعه الحياء بما غمره من الإحسان أن يعتاص على المحسن فيما يدعوه إليه فهو مجبور بالإحسان في إتيانه وقبوله لما يريده منه هذا المحسن حياء ووفاء وليجعل ذلك أيضا جزاء لإحسانه الأول حتى يزول عن حكم المنة وهذا من دسائس النفوس فلا جبر أعظم من جبر الإحسان لمن سلك سبيله وقليل ما هم وأما الجبر بطريق القهر والمغالبة فهو وإن قبل في الظاهر ولم يقدر على الامتناع والمقاومة المجبور لضعفه فإنه لا يقبل الجبر بباطنه فلا أثر له إلا في الظاهر بخلاف جبر المحسن فإن له الأثر الحاكم في الظاهر والباطن بحكم الطمع أو الحياء أو الجزاء كما قررنا وأما الجبر الذاتي فهو عن التجلي في العظمة الحاكمة على كل نفس فتذهل عن ذاتها وعزتها وتعلم عند ذلك أنها مجبورة بالذات فلا تجهل نفسها فالعارف هنا ينظر من الحاكم عليه فلا يجد إلا قيام العظمة به فيعلم أنه ما حكم عليه إلا ما قام به وما قام به إلا محدث فيعظم عنده الجبر فيعلم عند ذلك جبروت الحق وأما جبروت العبد بمثل هذه الصفة فممقوت عند الله لأنه ليس له ذلك ولا يستحقه وإنما جبر المخلوق في المخلوق بالإحسان خاصة وذلك هو الجبر المحمود شرعا وعقلا وكل عبد أظهر القهر في العالم بغير صفة الحق وأمره فهو جاهل في غاية الجهل ولهذه الحضرة الجبروتية حكمان أو وجهان كيف شئت قل الوجه الواحد العظمة وهو قول أبي طالب المكي وغيره ممن يقول بقوله والوجه الآخر البرزخية فلهذا المقام الجمع بين الطرفين بما هو برزخ فيعلم نفسه ويعلم بطرفيه ما هو به برزخ بين شيئين فيكون جامعا من هذا الوجه عالي المقام وبين فضله على الطرفين فإن كل طرف لا يعلم منه إلا الوجه الذي يليه فهو عالم أعني الجبروت إن شاء تجلى في صورة برزخية وإن شاء تجلى في صورة إحدى طرفيها كيف شاء تجلى فيكون شبهه بالحق أتم ونسبة هذا الجبروت إلى الحق نسبة لطيفة لا يشعر بها كثير من الناس وهو أن الحق بين الخلق وبين ذاته الموصوفة بالغنى عن العالمين فالألوهة في الجبروت البرزخي فتقابل الخلق بذاتها وتقابل الذات بذاتها ولهذا لها التجلي في الصور الكثيرة والتحول فيها والتبدل فلها إلى الخلق وجه به يتجلى في صور الخلق ولها إلى الذات وجه به تظهر للذات فلا يعلم المخلوق الذات إلا من وراء هذا البرزخ وهو الألوهة ولا تحكم الذات في المخلوق بالخلق إلا بهذا البرزخ وهو الألوهة وتحققناها فما
(٢٠٨)