تعالى لا يدخل تحت الشرط هذا يقتضيه مقام الحق بالذوق فإنما يشترط على الله من يجهل الله أو يدل عليه لأنه ظن به خيرا كما أمره سبحانه فإنه لو علم أن الله ما يبعثه في شغل حتى يهيئه لذلك الشغل فإنه حكيم خبير فلا تقس الله على المخلوق فإن المخلوق يجهل كثيرا منك ومن نفسه والحق ليس كذلك فلا فائدة للاشتراط يقول موسى ع حين بعثه ربه رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري فأعطاه ذلك كله ولم يقل محمد ص شيئا من هذا كله فالأولى أن تكون محمديا فإنه ما ذكر الله من حديث موسى ع ما ذكر إلا ليعلم أن الاشتراط على المستخلف جائز ولا حرج عليه في ذلك لو اشترط ألا ترى موسى ع كيف قال لمحمد ص ليلة إسراءه حين فرض الله عليه الصلاة راجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك ثم علل وقال فإني بلوت بني إسرائيل وما راجع محمد ص في ذلك إلا امتثالا لأمر الله فإن الله لما ذكر الأنبياء ع قال له أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده فامتثل أمره في رجوعه فكان خيرا وهذا فائدة الشيخ المتخذ في الطريق فاعلم ذلك فخذ منه ما أعطاك إن كنت تابعا * ولا تتوقف فالتوقف يصعب فإن كنت ذا لب وعلم وفطنة * فقد جاءك الأمر الذي كنت تطلب والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الرابع والأربعون وخمسمائة في معرفة حال قطب كان هجيره ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) إن الرقيب على اللسان موكل * فعليه فيما تلفظون توكلوا أنطق به إن كنت صاحب نظرة * واعمل على عين الحقيقة يا فل وكذا جميع قواك منك فإنها * هي عينه والعين ما لا تجهل فإذا علمت نصيحتي وشهدتها * عينا علمت من الرقيب المرسل قال الله تعالى وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون وقال رسول الله ص إن الله عند لسان كل قائل وما خصص قائلا من قائل فأتى به نكرة فكل ذي لسان قائل فهو عند الله وما عند الله باق وما كل قائل في كل قول يكون قوله منسوبا إلى الله مثل قوله إن الله قال على لسان عبده سمع الله لمن حمده والمحبوب بإتيان النوافل يكون الحق لسانه فتفاضلت المراتب فالملك الحافظ الكاتب عند الإنسان كل ما لفظ كتبه الملك فلا يكتب إلا ما يلفظ به الإنسان فإذا لفظه ورمى به فبعد الرمي يتلقاه الملك فإن الله عند قوله في حين قوله فيراه الملك نورا قد رمى به هذا القائل الذي الحق عند لسانه فيأخذه الملك أدبا مع القول يحفظه له عنده إلى يوم القيامة وإذا عمل يعلم الملك أنه عمل أمرا ما خاصة ولا يكتبه حتى يتلفظ به فالحفظة تعلم ما يفعل العبد ولكنها ما تكتب له عملا حتى يتلفظ به فإذا تلفظ كتبت فهم شهود إقرار وسبب ذلك عدم اطلاعهم على ما نواه العبد في ذلك الفعل ولهذا ملائكة العروج بالأعمال تصعد بعمل العبد وهي تستقله فيقبل منها ويكتب في عليين وتصعد بالعمل وهي تستكثره فيقال لها اضربوا بهذا العمل وجه صاحبه فإنه ما أراد به وجهي وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء فلو علمت الحفظة ما في نية العبد عند العمل ما ورد مثل هذا الخبر فالنية في الأعمال لا تكون من العبد إلا من الوجه الخاص ولهذا لا يعلمه من العامل إلا الله والعامل الذي نوى فيه ما نوى فالملك يرقب حركة العبد ويكتب منه حركة لسانه إذا تلفظ والله شهيد لأنه عند قول عبده على الحقيقة لا عند عبده فهذه الكينونة الإلهية هي التي تحدث بحدوث القول وسبب ذلك أنه تكوين والتكوين لا يكون أبدا إلا عن القول الإلهي في كل كائن فجميع ما يتكون في الوجود فعن القول الإلهي فما بين الحق والعبد مناسبة أتم ولا أعم من مناسبة القول ولهذا كان عند لسان كل قائل فإن القول كون مفارق قائله فإن لم يكن الله عنده ضاع القول وإنما كان الله عنده لينشئه صورة قائمة تامة الخلقة فإنه لا بد أن يكون تعالى مذكورا بها فيتم منها ما نقصه العبد مما تستحقه نشأتها من الكمال كما يقبل الصدقة ليريها حتى تكون أعظم من
(١٨٧)