المؤمن المتقي فكيف بحال العارف النقي الذي ما لبس ثوب زور وما زال نورا في نور فمن حافظ على آداب الشريعة وأعطى الطبيعة ما أوجب الله عليه من حقها وما تعدى بها منزلتها كان من العارفين الأدباء وأصحاب السر الأمناء والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الثامن والثلاثون وأربعمائة في معرفة منازلة من قرأ كلامي رأى غمامتي فيها سرج ملائكتي تنزل عليه وفيه فإذا سكت رفعت عنه ونزلت أنا) كلامي ليس غيري وهو غيري * وإن المثل للأمثال ضد فقل للعارفين إذا قرأتم * كلام الله فالوجدان فقد دليلي في شهادته حروف * وفي الغيب المعاني وهي حد وأسبلت الستور فما رآه * فعين القرب في التحقيق بعد فمن قرأ القرآن فلا يفكر * ولا ينظر فإن السم شهد قال الله تعالى في آية طالوت وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وأنزلها الله في قلوب المؤمنين من أمة محمد ص وبهذا وأمثاله كانت هذه الأمة المحمدية خير أمة أخرجت للناس قال الله عز وجل هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين فما كان شهادة في غير هذه الأمة نزل غيبا في هذه الأمة فوجده أهل الأذواق في قلوبهم فكانت صفة من صفاتهم وكانت فيمن تقدم هذه الأمة من الأمم أجنبية عنها فعلامة هذه الأمة في قلوبهم استفت قلبك وإن أفتاك المفتون ومع كونها منزلة في قلوبهم ثم أشهدها الله تعالى بعض أصحاب محمد ص في تلاوته القرآن وكانت له فرس فجعلت تخبط فرفع رأسه فرأى غمامة فيها سرج كلما قرأ نزلت ودنت منه وإذا سكت ارتفعت فلما ذكر ذلك لرسول الله ص قال له رسول الله ص تلك السكينة نزلت للقرآن فرأى هذا الصاحب ممثلا خارجا عنه ببصره ما كان فيه فكان الحق له مرآة رأى صورة ما في قلبه فيها فإن القرآن ذكر الله وبذكر الله تطمئن القلوب كذا ذكر الله لنا في كتابه العزيز والطمأنينة سكينة أنزلها القرآن في قلوب المؤمنين فكانت آيات بني إسرائيل ظاهرة وآياتنا في قلوبنا وهذا الفرق بين الورثة المحمديين وسائر الأنبياء فورثة الأنبياء يعرفون في العموم بما يظهر عليهم من خرق العوائد ووارث محمد ص مجهول في العموم معلوم في الخصوص لأن خرق عادته إنما هو حال وعلم في قلبه فهو في كل نفس يزداد علما بربه علم حال وذوق لا يزال كذلك وقد نبه الجنيد على ذلك باختلاف أجوبته عن المسألة الواحدة من التوحيد في المجلس الواحد لاختلاف دقائق الزمان ذكر ذلك القشيري في صدر رسالته المنسوبة إليه وكلما ازداد المحمدي علما بربه ازداد قربا فهم المقربون وأحوالهم الظاهرة تجري بحكم العوائد فيعرفون ولا يعرفون ويأتون بما أعطاهم الله من العلم به في طريق النصح لهذه الأمة فلا تعرف العامة قدر ذلك لأنها اعتادت من علماء الرسوم مثل هذا إذا تكلموا في العلم بالله عز وجل من طريق الدليل ولم تفرق بين علم الدليل وبين علم الذوق وأما علماء الرسوم فيكفرونهم غالبا مع كونهم يسلمونه لرسول الله ص بعينه إذا نقل عنه في قرآن أو خبر إلهي وغير إلهي فانظر ما أشد هذا العمي ولولا إن رسول الله ص بعثه رسولا ما ظهرت عليه آية ظاهرة في العموم كما ظهرت على من تقدم فما ظهر عنه ص من الآيات المنقولة في العموم إنما كان ذلك من كونه رسولا رفقا من الله تعالى بهذه الأمة وإقامة حجة على من كذبه وكذب ما جاء به ألا ترى إلى رسول الله ص كيف أسرى به إلى المقام الذي قد عرف وجاء به القرآن والخبر الصحيح فلما خرج إلى الناس بكرة تلك الليلة وذكر للأصحاب ما ذكر مما جرى له في إسراءه بينه وبين ربه تعالى أنكر عليه بعض أصحابه لكونهم ما رأوا لذلك أثرا في الظاهر بل زادهم حكما في التكليف وموسى ع لما جاء من عند ربه كساه الله نورا على وجهه يعرف به صدق ما ادعاه فما رآه أحد الأعمى من شدة نوره فكان يتبرقع حتى لا يتأذى الناظر إلى وجهه عند رؤيته وكان شيخنا أبو يعزى بالمغرب موسوي الورث فأعطاه الله هذه
(٥٠)