صح العمل فالعمل غير العبادة فإن العبادة ذاتية للخلق والعمل عارض من الحق عرض له فتختلف الأعمال فيه ومنه والعبادة واحدة العين فكما لا تفرق بين الله والرحمن كذلك لا تفرق بين العبد الحقيقي وبين ربه فعند ما نراه تراه فلا ينكره إلا من أنكر الرحمن فلذلك سمي هذا المقام العروة الوثقى أي التي لا تتصف بالانخرام لأنها لذاتها هي عروة وثقى شطرها حق وشطرها خلق كالصلاة حكم واحد نصفها لله ونصفها للعبد ولم يقل للمصلي وإلى الله عاقبة الأمور فنبه إن مرجع هذا التفصيل كله إلى عين واحدة ليس غير ذلك العين لها صفة الوجود فمن لم يكن له مثل هذا النتاج في هذا الهجير فما ذكر الله به وإن لم يزل به متلفظا فليس المقصود منه إلا ظهور مثل هذا وهذه الإشارة كافية في هذا الذكر والحمد لله وحده (الباب الثالث والثمانون وأربعمائة في معرفة حال قطب كان منزله قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) فازت النفس إذا ما اتصفت * بصفات القدس في نشأتها أو بأمر عارض كان لها * وقفت فيه على حكمتها فهما في الحكم سيان على * ما اقتضاه الأمر من سورتها والذي قد دسها بينهما * دون نعت خاب من جملتها لم يجب من بعد ما تنتجه * إنه الظاهر في صورتها فله الحمد على ذاك وذا * لدخول الكون في رحمتها تحقيق هذا الذكر إن النفس لا تزكو إلا بربها فبه تشرف وتعظم في ذاتها لأن الزكاة ربو فمن كان الحق سمعه وبصره وجميع قواه والصورة في الشاهد صورة خلق فقد زكت نفس من هذا نعته وربت وأنبتت من كل زوج بهيج كالأسماء الإلهية لله والخلق كله بهذا النعت في نفس الأمر ولولا أنه هكذا في نفس الأمر ما صح لصورة الخلق ظهور ولا وجود ولذلك خاب من دساها لأنه جهل ذلك فتخيل أنه دسها في هذا النعت وما علم إن هذا النعت لنفسه نعت ذاتي لا ينفك عنه يستحيل زواله لذلك وصفه بالخيبة حيث لم يعلم هذا ولذلك قال قد أفلح ففرض له البقاء والبقاء ليس إلا لله أو لما كان عند الله وما ثم إلا الله أو ما هو عنده فخزائنه غير نافدة فليس إلا صور تعقب صورا والعلم بها يسترسل عليها استرسالا بقوله حتى نعلم مع علمه بها قبل تفصيلها فلو علمها مفصلة في حال إجمالها ما علمها فإنها مجملة والعلم لا يكون علما حتى يكون تعلقه بما هو المعلوم عليه فإن المعلوم هو الذي يعطيه بذاته العلم والمعلوم هنا غير مفصل فلا يعلمه إلا غير مفصل إلا أنه يعلم التفصيل في الإجمال ومثل هذا إلا يدل على أن المجمل مفصل إنما يدل على أنه يقبل التفصيل إذا فصل بالفعل هذا معنى حتى نعلم وإذا كان الأمر كما ذكرناه فما ثم من دساها ولو كان ثم لكان هو الموصوف بالخيبة لأن الشئ لا يمكن أن ينجعل ولا يندس في غير قابل لاندساسه وإذا دسه فقد قبله ذلك القابل وإذا قبله فما تعدى ذلك المدسوس رتبته لأنه حل في موضعه واستقر في مكانه فما خاب من دسه الخيبة المفهومة من الحرمان فله العلم وما له نيل الغرض فحرمانه عدم نيل غرضه فإن العلم ما هو محبوب لكل أحد ولو كان العلم محبوبا لكل أحد ما قال من قال إن العلم حجاب والحجاب عن الخير تنفر منه الطباع ونحن إذا قلنا العلم حجاب فإنما نعني به يحجب عن الجهل فإن الوجود والعدم لا يجتمعان أعني النفي والإثبات فما يخيب إلا أصحاب الأغراض وهم الأشقياء فمن لا غرض له لا خيبة له وأنت تعلم أنه إذا دس شئ في شئ إن لم يسعه فلا يندس فيه وإن اندس فقد وسعه ولا يسعه إلا ما هو له فلكل دار أهل وما ثم في الآخرة إلا داران جنة ولها أهل وهم الموحدون بأي وجه وحدوا وهم الذين زكوا نفوسهم والدار الثانية النار ولها أهل وهم الذين لم يوحدوا الله وهم الداسون أنفسهم فخابوا لا بالنظر إلى دارهم ولكن بالنظر إلى الدار الأخرى فكما أنه لم يتعد أحد هنا ما قدر له وما أعطته نشأته الخاصة به كذلك لم يتعد هنالك ما قدر له موطنه الذي هو معين لذلك الذي قدر له فمن خلق للنعيم فسييسره لليسرى فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى ومن خلق للجحيم فسييسره للعسرى وأما من بخل بنفسه على ربه حيث طلب منه قلبه ليتخذه بيتا له بالإيمان أو التوحيد واستغنى
(١١٩)