إذا أحببت محبوبا * له النخوة والعجب * فلا تعجب فلا تحجب * فقلني للهوى قلب ومن هذه الحضرة ظهر الغني في العالم الذي يحوي على الفقر والخوف مع ما فيه من الزهو والفخر أما ما فيه من الفقر فلطلب الزيادة وأما ما فيه من الخوف فهو الفزع من تلف ما بيده والحوطة عليه وأما ما فيه من الزهو والفخر فهو ما يشاهده من الطالبين رفده وسعى الناس في تحصيل مثل ما عنده فمن هو بين غنى وفقر كيف يفتخر فالفقر لا يتركه يفرح والغني لا يتركه يحزن فقد تعرى بهذين الحكمين من هاتين الصفتين فأغنى الأغنياء من استغنى بالله عن الأغنياء بالله ولو لم يكن عنده قوت يومه مع أنه يحزن من جهة من كلفه الله النظر في تحصيل ما يقوم بهم ويقوتهم من أهله وما يهتم بذلك إلا متشرع أديب عانق الأدب وعرف قدر ما شرع له من ذلك فإن طريق الأدباء طريق خفية لا يشعر بها إلا الراسخون في العلم المحققون بحقائق الفهم عن الله فكما إن الله ليس بغافل عما يحتاج إليه عباده كذلك أهل الله لا يغفلون عما قال لهم الحق أحضروا معه ولا تغفلوا عنه فترى الكامل حريصا على طلب مئونة أهله فيتخيل المحجوب أن ذلك الحرص منه لضعف يقينه وكذلك في ادخاره وليس ذلك منه إلا ليوفي الأدب حقه مع الله فيما حد له من الوقوف عنده فالعالم من لا يطفي نور علمه نور ورعه ولا يحول بينه وبين أدبه فمن تعدى حدود الله فقد ظلم نفسه ومن ظلم نفسه كان لغيره أظلم ألا ترى إلى ما في هذه الحضرة من العجب أن المشاهد غنى الحق الذي هو صفته في غنى العالم فلا يشهد إلا حقا ولا يكون القبول والإقبال إلا على صفة حق كيف يعتب على ذلك من هو بهذه المثابة فقيل له أما من استغنى فأنت له تصدى وقد علم تعالى لما تصدى ولمن تصدى فإن الله بكل شئ عليم فما تصدى لا بحق * ولا تصدى إلا لحق * وما أتاه لعتاب لا * لكونه ظاهرا بخلق فمن تجلى بكل مجلي * حاز بمجلاه كل أفق فاحذر هذه الحضرة فإن فيها مكرا خفيا واستدراجا لطيفا فإن الغني معظم في العموم حيث ظهر وفيمن ظهر والخصوص ما لهم نظر إلا في الفقر فإنه شرفهم فلا يبرحون في شهود دائم مع الله والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وما راعى الحق في عتبة لرسوله ص إلا جهل من جهل من الحاضرين أو من يبلغه ذلك من الناس بمن تصدى له رسول الله ص فلو عرفوا الأمر الذي تصدى له رسول الله ص ما عاتبه ولا كان يصدر منهم ما صدر من الأنفة من مجالسته ص الأعبد فهل هذا إلا من ذهولهم عن عبوديتهم للذي اتخذوه إلها وما تلهى رسول الله ص عن الأعمى إلا لحبه في الفال وما جاء الله تعالى بالأعمى إلا لبيان حال مخبر رسول الله ص بعمى هؤلاء الرؤساء وعلم بذلك رسول الله ص ولكن وقف مع حرصه على إيمانهم والوفاء بالتبليغ الذي أمره الله به ولأن صفة الفقر صفة نفس المخلوق وقد علم ص أنه الدليل فإن الدليل لا يجتمع هو والمدلول وهو دليل على غنى الحق وقد تجلى في صورة هؤلاء الرؤساء فلا بد من قوع الأعراض عن الأعمى والإقبال على أولئك الأغنياء ومع هذا كله وقع العتاب جبرا للأعمى وتعريفا بجهل أولئك الأغنياء فجبر الله قلب الأعمى وأنزل الأغنياء عما كان في نفوسهم من طلب العلو في الأرض فانكسروا لذلك ونزلوا عن كبريائهم بقدر ما حصل في نفوسهم من ذلك العتاب الإلهي وهذا القدر كاف (المعطي المانع حضرة العطاء والمنع) حضرة المنع والعطا * حضرة ما لها غطا * فانظر المنع يا أخي * تجده عين العطا فإذا كنت هكذا * كنت في الحكم مقسطا * وإذا لم تكن كذا * كنت في حكم من سطا لا تكن كالذي مضى * في هواه وفرطا فمن علم إن الله هو المعطي لم يشكر غيره إلا بأمره قال تعالى أن لشكر لي ولو الديك إذا ما قلت تعطى * فقد أعطيت لم تعطى * فلا نكذب ولا تجحد * فإنك لم تزل تعطي فلا نكفر وقم واشكر * لمن أعطى الذي أعطى * متى ما لم يقل هذا * عبيد الله قد أخطأ
(٣٠٩)