وناعت فما رأينا أشبه شئ منه بالصدى فإنه ما يرد عليك إلا ما تكلمت به فوضعه الحق لهذا المقام وأمثاله مثالا مضروبا فإن الله ما خلق الخلق لعين الخلق وإنما خلقه ضرب مثال له سبحانه وتعالى علوا كبيرا ولهذا أوجده على صورته فهو عظيم بهذا القصد وحقير بكونه موضوعا ولا بد من عارف ومعروف فلا بد من خلق وحق وليس كمال الوجود إلا بهما فظهر كمال الوجود في الدنيا ثم ينتقل الأمر إلى الأخرى على أتم الوجوه وأكملها عموما في الظاهر كما عمت في الدنيا في الباطن فهي في الآخرة في الظاهر والباطن فلا بد أن تكون الآخرة تطلب حشر الأجساد وظهورها ولا بد من إمضاء حكم التكوين فيهما فهي في الدنيا في العموم تقول للشئ كن فيكون في تصورها وتخيلها لأن موطن الدنيا ينقص في بعض الأمزجة عن إمضاء عين التكوين في العين في الظاهر وفي الآخرة تقول ذلك بعينه لما يريد أن يكون كن فيكون في عينه من خارج كوجود الأكوان هنا عن كن الإلهية عند أسبابها فكانت الآخرة أعظم كمالا من هذا الوجه لتعميم الكلمة الحضرتين الخيال والحس فللأولى هو السر * وللآخر الجهر * فمن آمن بالكل * فقد بان له الأمر وما ثم حضرة في الحضرات الإلهية من يكون عنها النقيضان في العين الواحدة إلا هذه الحضرة فهي العامة الجامعة التي تضمنت الأسماء كلها حسنها وسيئها والجلال من صفات الوجه فله البقاء دائما وهو من أدل دليل على إن كل ما في الدنيا في الآخرة بلا شك ومما في الدنيا ما لا خفاء به وهي الأجسام الطبيعية التي من شأنها أن تأكل وتشرب وتستحيل مأكلها ومشروبها بحسب أمزجتها ففي الجنة يستحيل ما يأكله أهلها عرقا يخرج من أعراضها أطيب من ريح المسك قال تعالى ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام فقال قائل بأي نسبة يكون له هذا البقاء فقال ذو الجلال والإكرام فرفع بنعت الوجه فلو خفض نعت الرب وكان النعت بالجلال وله النقيضان فيبقى الوجه الذي له النقيضان ولا يفنى وإنما يفنى ما كان على هذه الأرض فناء انتقال في الجوهر وفناء عدم في الصورة فيظهر مثل الصورة لا عينها في الجوهر الباقي الذي هو عجب الذنب الذي تقوم عليه نشأة الآخرة فيبقى حكم الوجه المنعوت بالجلال ويتبعه اسمه حيث كان فللاسم البقاء كما كان البقاء للمسمى به والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (حضرة الكرم) إن الكريم الذي يعطي إذا سألا * ولو تراه فقيرا للذي ألا وليس يبرح من إذلال نشأته * بما يعز ولو محبوبه وصلا ولا أحاشي من الأعيان من أحد * إلا الغني الذي يعطي إذا سألا وذاك للأدب المعتاد أنسبه * فإنه مانع ولا تقل بخلا سبحانه وتعالى أن يحيط به * علم الخلائق عينا حل أو رحلا فإن يحل ففي قلبي منازله * وإن أقام أراه فيه مرتحلا وليس ينقصه مما يحيط به * إلا إذا قيل شهر الله قد كملا إن القرآن لفي آياته عجب * آباره تقتضي الأزمان والأزلا يدعى صاحب هذه الحضرة عبد الكريم وهو يتبع الجليل ويلازمه قال تعالى ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام وقال تعالى تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام وإنما تبعه من حيث ما يعطيه وضع الجلال ولما كان يعطي النقيضين جاء بالإكرام على الوجهين فإن السامع إذا أخذ الجلال على العظمة أدركه القنوط لعدم الوصول إلى من له العظمة لما يرى نفسه عليه من الاحتقار والبعد عن التفات ما يعطيه مقام العظمة إليه فأزال الله عن وهمه ذلك الذي تخيله بقوله والإكرام أي وإن كانت له العظمة فإنه يكرم خلقه وينظر إليهم بجوده وكرمه نزولا منه من هذه العظمة فلما سمع القانط ذلك عظم في نفسه أكثر مما كان عنده أو لا من عظمته وذلك لأن عظمته الأولى التي كان يعظم بها الحق
(٢٥٢)